لا شك أن ظاهرة السوشيال ميديا، التي من أبرز ملامحها الرغبة في الانكشاف والاستعراض أمام الآخرين، من أخطر وأعمق التحولات التي مرت على الاجتماع البشري.

انظر إلى الطفل الصغير والطفلة، في أي مكان من هذا العالم، وانظر إلى الشيخ الكبير والشيخة، وهم يتابعون بدهشة ولهفة وعيون مفتوحة على آخرها، ساحة من ساحات السوشيال ميديا، فستعرف أن هذه الاختراعات الجديدة لامست شيئاً عميقاً وأصيلاً في بناء النفس الإنسانية.

ثم ارجع البصر مرة أخرى لتراهم وهم ليسوا على مقعد النظارة ومدارج المتفرجين، بل وهم «يؤثرون» كما يتوهمون، لتجد الواحد منهم هنا في حالة نشوة كونية وشعور خاص بأنه يصنع العالم على يديه.

هذه المشاعر التي فجرتها السوشيال ميديا لدى كل بني الإنسانية اليوم، مذهلة في إلحاحها ومركزيتها، وفي الوقت نفسه في الاستغراب من عدم انتباه مخترعي الهاتف أو الاتصالات بصفة عامة، وخصوصاً بعد عصر الإنترنت، لقوة هذه الغرائز لدى بني البشر.

إنها قوة مركزية تشبه قوة طاقة الكهرباء التي هي جزء من بنية الطبيعة من حولنا، منذ تكون الكون وتخلقت الدنيا، ومع ذلك لم يهتدِ البشر إلى الكشف عن نقابها إلا قبل هنيهة من الزمن، في حسبة الزمان!

انظر إلى أثر الفراشة الذي أحدثه أول من انتبه لفكرة خلق شبكة اتصال حرة وتفاعل خاص بين طبقة من الناس على الإنترنت، والمثال المضروب هنا دوماً هو «فيسبوك».

ثم راقب اليوم جبروت وتأثير هذه المنصات وملاكها على أمن وخوف، سلم وحرب، جوع وشبع، العالم كله.

لست أعلم هل نشأ علم أو علوم جديدة في الاجتماع والنفس والاتصال والسياسة، بل وحتى الملل والنحل والطوائف، بسبب السوشيال ميديا؟!

وبعد، فلقد صار الإمساك بخطام السوشيال ميديا، وتوجيه مؤثريها الكبار والصغار، معياراً تقاس به كفاءة السياسات والقيادة الإعلامية.

المعضلة تكمن في صعوبة إن لم تكن استحالة السيطرة المطلقة على هذا الفضاء المتوسع على مدار الدقيقة، فكل اهتمام بشخصية سوشيالية، يعني تشجيع مئات إن لم يكن آلافاً غيرها على الاحتذاء بها، ليصل السلف إلى الخلف، و«مافيش حد أحسن من حد»، وفي الوقت ذاته من الخلل ترك هؤلاء المؤثرين من دون توجيه أو تفاعل معهم؛ فهم يؤثرون على حياة وأفكار أعداد مهولة من أبناء وبنات وكبار وصغار الناس... وهكذا في مشكلة دائرية!

نقول هذا ونحن بعد في اللحظة الأولى من فجر عصر السوشيال ميديا...