علي الخشيبان

يبدو جلياً أن فكرة الشرق الأوسط الجديد فتحت أبواباً كبرى للخيارات بين الدول ذات التحالفات التقليدية سواء مع الغرب أو الشرق، وقد يمضي وقت طويل إلى أن يتم اكتشاف الوجهة الصحيحة وقراءة المستقبل بوضوح..

في تسعينيات القرن الماضي انتشر مصطلح -الشرق الأوسط الجديد- وكان هذا المصطلح يشكل تساؤلاً كبيراً للمعنى الفعلي لفكرة شرق أوسط جديد، ولعل السؤال الملح دائماً يستند إلى من يمتلك التأهيل المطلق لمهمة تغيير قواعد اللعبة الدولية وإعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد، هذا المصطلح فكرة حقيقة ولها مسار مخطط تبنته أمريكا ولقد شعرت به المنطقة بوضوح مع بداية القرن الحادي والعشرين.

من الواضح جلياً أن صداما محتملا بين القوى الدولية يسببه هذا المصطلح حيث يتداخل تشكيل الشرق الأوسط الجديد مع قواعد النظام الدولي، ومن الممكن أن ينتج صداما عنيفا بين القوى الدولية يشبه تصادم المجرات الفضائية، لا شك ان العام 2010م كان مؤشرا على تحولات استراتيجية في المنطقة الشرق أوسطية، فمنذ ذلك الحين وعدد الدول العربية التي طالتها الثورات بلغ تقريبا سبع دول اذا اضفنا إليها العراق، وقد تعرضت هذه الدولة إلى هزات سياسية ساهمت إما في تغيير المجال السياسي لها أو إدخال تلك البلدان في حروب أهلية.

مؤشرات وجود فلسفة سياسية جديدة تخص الشرق الأوسط في الأجندة السياسية الدولية واضحة، ولكن ليست كل الأطراف الدولية الفاعلة ترغب في تحقيق إنجازات محددة في منطقة الشرق الأوسط، فروسيا والصين يقتربان من بعضهما عل حساب أمريكا التي تروج لمفاهيم سياسية لا يبدو أنها تجد القبول الكافي لدى دول مثل الصين وروسيا، وخاصة الصين التي يؤمن نظامها السياسي بالموروثات التاريخية والحضارية وتنظر الصين إلى نفسها أنها صاحبة الأفضلية في بناء نظام عالمي جديد يستند إلى معطيات تاريخية وتراثية ليس من بينها مفاهيم الفكر السياسي الغربي.

العالم الغربي وتحديداً أمريكا القرن الحادي والعشرين تواجه الأسئلة الصعبة حول مبادئها ومفاهيمها السياسية وقد كانت تتمنى أن يساهم التطور الاقتصادي الصيني في نشوء طبقات مجتمعية تذهب بالنظام الصيني الحاكم إلى منطقة تشبه الديمقراطيات الغربية ولكن ما يبدو ان قواعد اللعبة الاقتصادية الصينية تمتلك من الأدوات الفعلية القادرة على تجاوز المفاهيم الديمقراطية الغربية وهذا أحد الأسباب الرئيسة لشدة الاحتدام الدولي حول الشرق الأوسط.

السؤال المهم الآخر: هل الشرق الأوسط مشروع متفق عليه من الجميع أم هو منطقة محتملة لصراع النظام الدولي الجديد الذي تتحكم فيه القوى العالمية؟ يبدو جلياً أن فكرة الشرق الأوسط الجديد فتحت أبواباً كبرى للخيارات بين الدول ذات التحالفات التقليدية سواء مع الغرب أو الشرق، وقد يمضي وقت طويل إلى أن يتم اكتشاف الوجهة الصحيحة وقراءة المستقبل بوضوح، كون المعايير العسكرية لم تعد هي فقط من يحدد الأقوياء.

الحقيقة أن اللغة السياسية التي تطرحها أمريكا أصبحت مستغربة من كثير من دول المنطقة وخاصة حلفاء المنطقة، على الجانب الآخر تفتقد المنطقة إلى تجربة سياسية للمنافسين الجدد لأمريكا وهم تحديداً الصين أو روسيا التي يمكن استبعاد دورها الحيوي حالياً في مقابل القوة الهائلة التي تمتلكها الصين.

عملت أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية وحتى قبل بداية القرن الحادي والعشرين على تهيئة المنطقة بهدف إعادة ترتيب أوراقها وهذا لم يكن خفياً بل كان معلناً، عبر فلسفة البحث عن حلول سياسية واقتصادية لدول المنطقة، ذات التفاوت السياسي والاقتصادي والعرقي والثقافي، فدول الشرق الأوسط بعضها غني إلى درجة كبير والبعض الآخر فقير إلى نفس الدرجة، وهناك تفاوت هائل في مستويات الدخل والتعليم والنظام الاجتماعي والثقافي بين هذه الدول.

ولعل التساؤلات المفتوحة التي يمكن طرحها كيف سيؤثر تطبيق مفهوم الشرق الأوسط المرحلة القادمة على النظام العالمي أولاً وعلى بنية الدول؟ من الواضح أن أميركا تحاول أن تطرح على دول المنطقة فكرتين الأولى تتمثل في قبول مشاركة هذه الدول في صياغة الشرق الأوسط الجديد ولكن بشروط سياسية واقتصادية لها علاقة بقضايا المنطقة الكبرى ومشكلاتها الرئيسة.

الفكرة الثانية ترتبط بمن يرفض فكرة الشرق الأوسط بكامل شروطها أو حتى بعضها بحيث يترك في مواجهة تلك التحولات دون مساعدة أو مساهمة سياسية أو استراتيجية، ومع كل ذلك يبقى السؤال المهم ليقول لنا كيف يمكن الحفاظ على نظام عالمي مستقر في ظل صعود القوة الصينية ومرادفتها روسيا، حيث يعيش العالم توجهات سياسية عبر مشروعات الأقوياء من الدول (حزام وطريق) في مقابل (شرق أوسط جديد)، ولنسأل السؤال الأخير: كيف ستفكر دول المنطقة ذات الثبات السياسي في حجز مقاعد سياسية مناسبة على متن قواعد اللعبة الدولية المستقبلية في الشرق الأوسط.