&عبدالعزيز اليوسف

يبدو أن الواقع الإعلامي اليوم يشهد تحولاً مثيراً وواسعاً في أدوار الإعلام وغاياته ووظائفه .. وأظهرت المستجدات التواصلية التي أعقبها تأثر الوسائل التقليدية بكثير من المضامين المبثوثة عشوائياً على منصاتها الجديدة بأساليب فوضوية.. أظهرت أن مجال الإعلام بدأ يهوي أمام متغيرات مفاهيمية، ومعطيات حادة.

هذه المتغيرات تمثلت في طغيان اللون السياسي، وتسخير وسائل الإعلام لصالح السياسة بكثافة أزاحت القيم والأدوار الأخرى التي يناط في المجال الإعلامي.. وأزعم أن الإعلام فقد دوره التنموي، والمجتمعي، والتوعوي، والتثقيفي، والترفيهي لصالح الإغراق بالمضامين والمحتوى السياسي.

ومن يراقب ويتمعن يجد أن الأفق السياسي هو المسيطر حتى في أحاديث الجمهور والمتلقين.. كما سيرى أن كثيراً من البرامج التي لا علاقة لها بالسياسة استهدفت بث ونشر رسائل لها علاقة بالتسيس.. فحين تجد برنامجاً منوعاً أو اجتماعياً يمرر رسائل موجهة معلبة مغلفة بوجه قبيح في السياسة، ويتبدل الدور من تعاطي اجتماعي إلى تداول مسيّس من خلال مقدمين أو مذيعين أو حتى كتّاب يميلون إلى تلبيس الوقائع المختلفة بالثوب السياسي.

لست في حالة رصد أو جرد قائمة بكل ذلك فالمتابع البصير يرى حجم ما يطرح وأبعاده الحقيقية.. فالأمر يبدو كما أظن أن الإعلام ومعتركاته ومضامينه أصبح أداة أولية للصراع الناعم، والقوة اللينة المؤثرة.. اليوم تريد أن تحارب تستطيع استخدام الإعلام كسلاح ليس كما كان في السابق حيث كان السلاح في الميدان والإعلام غطاء ورافد مساعد..

اليوم الإعلام هو الوعاء الأولي اللازم لتنشيط الرواكد السياسية، أو إماتة الحراكات السياسية.. اليوم صار الإعلام ساحة حرب حقيقية تزيح الجهود الدبلوماسية والسياسية عن الطريق المعروف.

لتسأل نفسك كم من الأخبار والمعلومات تلقيتها اليوم عبر الوسائل المختلفة ستكون الإجابة: كثير.. وحين تريد تصنيفها ستجد أن كثيفاً منها مرتبط بالسياسة وما دونها من أمور.. لذا المحتوى السياسي إذا لم تطلبه فهو يلحق بك ويطلبك بسبب الإغراق بالشأن السياسي وإقحامه بغزارة في وسائلنا ومنصاتنا لنتلق "غصباً"ما يراد تلقيه لا ما نريد نحن تلقيه حتى لو حاولنا إهماله أو تجاهله فسوف تجده في منصة أخرى، ووسيلة ثانية.

حين ينصرف الإعلام وتسقط أدواره ووظائفه المنشودة لصالح امتلاء طيفي لمجال سياسي ستسقط مفاهيم إعلامية كثيرة، وتخفق الأدوار شيئاً فشيئاً دونما نشعر.

سيقولون إن الحدث السياسي يفرض نفسه وهناك ووسائل تؤدي وظائفها الإعلامية ومن شاء فليختار.. حقيقة أجد الوقع السياسي يفرض أشرعته على أولوياتنا ويرتبها لذلك اتجهت القنوات بقصد أو دون قصد إلى ركوب موجة الإبحار السياسي.

ويبقى القول: علينا أن نستوعب أن وسائل حديثة، ومضامين ملونة، ومنتجات جديدة تجعلنا جمهوراً غرباء.