& عبدالله العوضي

بعد أن انتهى التحالف الدولي من كسر شوكة تنظيم «داعش» وكبح جماح إرهابه العابر لحدود الأوطان والدول، جاء الهجوم التركي على الأراضي السورية لإعادة إحياء هذا الخطر الأمني بعد انزوائه عن المشهد العالمي لفترة من الوقت. فلنلق نظرة فاحصة على بعض التحليلات التي ظهرت عقب العدوان التركي على سوريا وانتهاك سيادتها. وفي هذه النقطة الحيوية نشرت «The Independent» مقالاً للكاتب روبرت فيسك بعنوان «ترامب وأردوغان لديهما الكثير من القواسم المشتركة.. والأكراد سيكونون ضحية حماقتهما»، يقول فيه: «ليس هناك كلمات في اللغة الإنجليزية يمكنها أن تصف حجم الخيانة التي تعرض لها الأكراد، حلفاء الغرب، مرة أخرى.. فترامب مثل كيسنجر، وها هم الأتراك يتقدمون ثانية ليلعبوا لعبة الحدود متظاهرين بمحاربة الإرهاب، بينما هم يحاولون بصورة واضحة مساعدة (جبهة النصرة) في عفرين».

ولتوضيح جذر المشكلة تناول «James Laporta» في تقريره الذي نشرته مجلة «Newsweek» ما ذكره أحد المسؤولين في مجلس الأمن القومي الأميركي، استمع إلى المحادثة التي جرت بين ترامب وأردوغان. وذكر الكاتب أن المسؤول الأميركي صرّح للمجلة قائلاً: إن ترامب بدا ضعيفاً للغاية أثناء مكالمته مع أردوغان، «ولم يتطرق سوى إلى سحب القوات الأميركية من شمال سوريا، كي يبدو الأمر كما لو أننا قد حققنا إنجازاً». وأوضح المسؤول أن الأمن القومي الأميركي أصبح معرّضاً للخطر بشكل لم تشهده الولايات المتحدة منذ عقود، وذلك بسبب مواقف الرئيس الحالي.
وبعد أيام على الهجوم التركي السافر تم إطلاق سراح قرابة ألف داعشي من السجون، خلافاً لإرادة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، والذي تعد تركيا عضواً فيه. وهو ما أثار قلق مجلس الدفاع والأمن الوطني الفرنسي، فعقد اجتماعاً عاجلاً لبحث العدوان العسكري التركي، وأشار في بيانه إلى أن هذا الهجوم سيؤدي إلى إنعاش «داعش» في المنطقة وإلى زعزعة استقرار دائمة في شمال شرقي سوريا. كما ذكر أن ثمة خطوات سيتم اتخاذها لضمان سلامة العسكريين والمدنيين الفرنسيين الموجودين في المنطقة ضمن التحالف الدولي ضد «داعش»، أو في إطار الأعمال الإنسانية. وذكر البيان أن الأولوية المطلقة هي لمنع عودة «داعش» إلى المنطقة بسبب الهجوم التركي، ولاتخاذ تدابير تعزز أمن الأراضي الوطنية الفرنسية.
ويعزز الهجوم التركي القلق من نمو شجرة الإرهاب الخبيثة مرة أخرى بعد اجتثاثها على مدى سنوات من الحرب الدولية الضروس ضد «داعش»، ما دعا أمين عام حلف شمال الأطلسي «الناتو» للقول بأن العملية العسكرية التركية في سوريا تهدد بمزيد من التصعيد في المنطقة، مطالباً تركيا بعدم السماح للإرهابيين المقبوض عليهم بالهرب.
وقد ظهرت معالم القلق من تجدد تحرك «داعش»، والأزمة ما زالت في بدايتها، ومثّل فرار عدد من عائلات مسلحي التنظيم من مخيم في «عين عيسى»، بعد تعرضه لقصف تركي، أحد الدلائل الأولى على صحة ما أكدته الإدارة الذاتية الكردية من أن تركيا تشن هجمات على مواقع قريبة من مخيم يضم الآلاف من عوائل مسلحي «داعش».

لقد أثار التحرك العسكري التركي الكثيرين، ومنهم السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام الذي كتب على «تويتر»: «تحدثت مع رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بخصوص تحرك الكونغرس بشأن توغل تركيا في سوريا. بيلوسي تدعم تحركاً حزبياً مشتركاً ضد الاعتداءات التركية في سوريا، وتعتقد أنه علينا إظهار الدعم للحلفاء الأكراد وتشعر بالقلق إزاء عودة ظهور (داعش)».
لقد أصبح «داعش» داخل دائرة قلق الجميع من العملية العسكرية التركية، من دون أدنى خلاف على ذلك القلق. وهذا أبرز ما جاء في المؤتمر الصحفي لرئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي بذلك الشأن:
- نتعاون وننسق مع «قوات سوريا الديمقراطية» بشأن المحتجزين من تنظيم «داعش»،
- سنواصل حملتنا ضد «داعش» باستثناء المنطقة التي تنفذ فيها تركيا عمليتها.
ونختم بأبرز ما جاء في تصريحات ترامب في هذا الصدد بقوله:
سنسحب قواتنا، لكننا سنحافظ على قوة محدودة في قاعدة التنف جنوبي سوريا، لمنع إعادة انتشار «داعش».

&&