جيهان فوزي

فازت تونس برئيسها الجديد، أستاذ القانون الدستورى «قيس سعيد»، كما فاز شعبها بحقبة جديدة من التغيير بعد اجتيازه عرس الانتخابات الديمقراطية، فكلاهما يستحق الآخر، وإن كان للرئيس التونسى المنتخب حضور خاص فى وجدان الشعب الفلسطينى بعد موقفه من القضية الفلسطينية، خاصة فى ملف التطبيع مع العدو الإسرائيلى، ووصفه إياه بالخيانة العظمى، واستحضاره فلسطين بقوة فى خطاباته خلال الدعاية الانتخابية، وكان أبرزها تأكيده على وقوفه إلى جانب الفلسطينيين حتى ينالوا حريتهم.

لقد وجبت المقارنة، ففى تونس تكاتف الشعب مع مرشحه الرئاسى وترك الخلافات الحزبية والأزمات السياسية وفضلوا مصلحة بلدهم تونس، لكن فى فلسطين الوضع مختلف، فبعد الاستعدادات الخاصة بخوض الانتخابات التشريعية والرئاسية والتشاور بشأنها، ما زال الخلاف طاغياً على المشهد السياسى الفلسطينى رغم الإجماع على ضرورة إجراء هذه الانتخابات، باعتبارها مدخلاً لاستعادة الوحدة الوطنية وضرورة لترتيب البيت الداخلى الفلسطينى، وحسم الخلافات على الساحة الفلسطينية، إذ تريد حركة فتح إجراء الانتخابات لضمان إنهاء الانقسام على قاعدة أن الذى سيفوز سيتسلم الحكم فى الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما يواجه هذا الموقف معارضة من قبل فصائل فلسطينية على رأسها حركة حماس، التى تسيطر على قطاع غزة وتريد أن تكون الانتخابات ضمن توافق عام وإحدى نتائج المصالحة وليس مدخلاً لها، فضلاً عن إصرارها على رفض إجراء الانتخابات إذا لم تكن بالتوافق وتصر على أن تشمل إعادة انتخاب المجلس الوطنى التابع لمنظمة التحرير، وهما أمران ترفضهما حركة فتح فى هذا الوقت، ولا يُعتقد أن إسرائيل ستوافق على السماح للسلطة بالعمل فى القدس التى تقول إنها عاصمة أبدية لها.

تونس خاضت التجربة الديمقراطية حتى النهاية، وتنافس مرشحان للرئاسة فاز فى النهاية الأصلح فى أجواء ديمقراطية راقية، لكن الذى يحدث بين الفلسطينيين لا يبشر ولا يدعو للتفاؤل، فما زالت الخلافات متصدرة المواقف السياسية وما زال الصراع قائماً ومصلحة الوطن التى يتشدقون بها ليل نهار مجرد أكذوبة، فما بالنا وقد أعلنت حركة فتح أن مرشحها الوحيد للرئاسة هو الرئيس الحالى محمود عباس؟! فأى انتخابات ستجرى فى هذه الأجواء المتوترة؟ وما الذى سيتغير فى المشهد السياسى المحتقن والمشحون بالصراعات؟ ومتى ستضخ دماء جديدة تعيد للقضية الفلسطينية رونقها وجلالها، من خلال الترفع عن الخلافات، والتضحية بالمصالح الخاصة لهدف أسمى وهو مصلحة وطن ممزق نهشته الصراعات والانقسامات، فمن المفارقات أن يتبنى رئيس تونس الجديد قضية فلسطين ويضعها نصب عينيه ولا يغفلها من خطابه الانتخابى! والفلسطينيون يضعون الخلافات أمامهم ويرفضون الدفع بعجلة المصلحة العامة للشعب الذى أنهكته الصراعات السياسية، بل الإصرار على إعادة إنتاج أخطاء الماضى، دون الالتفات إلى ما ستحصده تلك الخلافات من آثار مدمرة على الشعب الفلسطينى الذى بات يقيناً يرفض جميع الوجوه المطروحة فى سباق الانتخابات لو قدر لها الاستمرارية.

الوطن المصرية