عقدت باريس في هذا الأسبوع مؤتمراً لمساعدة لبنان، وهذا حسن، وللفرنجة الشكر، وطوبى لهم وحسن مآب.

لكن ما ليس جيداً وليس حسناً هو أن باريس تجاهلت قصداً وعمداً وتجنياً الأزمة السياسية في لبنان. وهي الأزمة التي أنتجت الأزمة الاقتصادية الطاحنة، في هذا البلد المبتلى بعدة طواعين، منها الطائفية، والتحزب، وتغول ميليشيا آية الله خامنئي التي تعامل لبنان على أنه غنيمة خمس للمرشد، وتعامل اللبنانيين على أنهم «سبايا» حرب.

ولا أمل في إصلاح اقتصاد لبنان وحمايته من غوائل الفقر والعوز، والانهيار الاقتصادي، إلا بالإصلاح السياسي ونزح سلاح حزب الله الذي هيمن على الدولة وأضعفها. وحينما ضعفت الدولة اللبنانية تغلبت «البكتريا» الفاسدة والفيروسات على الجسد اللبناني وتسلطت عليه وأوهنته اقتصادياً واجتماعياً وقضائياً. ولا يمكن أن تتقوى الدولة اللبنانية إلا بالقضاء على هيمنة السلاح وأدواته.

وقد يتذرع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن الإصلاح السياسي في لبنان، ومحاولة نزع سلاح حزب الله الآن قد يؤديان إلى حرب أهلية، لكنه لا يود أن يفطن إلى أن سلوكية حزب الله وتغوله في لبنان سيؤديان، حتماً، إلى حرب أهلية، لأن اللبنانيين لا يمكنهم أن يشاهدوا بلادهم تتآكل ومواردهم تشح وتنضب والوظائف تتبخر، وتستبد بهم الهموم، ودروب الغربة الموحشة، وهم يموتون صبراً وببطء بضيق الحال أو يقضون نحبهم جوعاً، فقط لأن الولي الفقيه في إيران يود أن يحتفط بلبنان رهينة وأداة يصفي بها حساباته وصراعاته الإقليمية.

وفي الحقيقة فإن فرنسا تغير جلدها وتتنكر لتقاليدها، ويقودها ماكرون قسراً وبالقوة الجبرية إلى التنكر لأصدقائها التاريخيين، ويفرض عليها الولع بإيران والوله بآيات الله وميليشياتهم.

ومنذ بدء انتفاضة اللبنانيين، اشتعلت النيران في شعر ماكرون، وأرسل مبعوثيه على عجل إلى بيروت، في محاولة ليس لإنقاذ لبنان صديق فرنسا الحميم الودود، وإنما لإنقاذ الصيغة سيئة السمعة التي هندستها فرنسا عام 2016، وفرضتها على سعد الحريري رئيس وزراء التسوية الشهيرة التي تقضي بهيمنة حزب الله في لبنان، وله الكعب المعلى، وجعل لبنان وطناً مشاعاً لآيات الله، لا يحزن ولا يئن ولا يشتكي.

ولم ينتفض اللبنانيون رفاهية، وإنما لأن الحال قد ضاقت بهم، وأعياهم الصبر، وقرروا المقاومة السلبية ضد تغول حزب الله وحواشيه، مثل التيار الوطني الحر، وهو ليس حراً، ولا يحل ولا يربط، ومهمته تقديم خدمات لحزب الله الذي يقود «حلف الأقليات»، وهو اختراع إيراني يرمي إلى الهيمنة على الأقليات واختطافها وتشغليها لحساب الحرس الثوري الإيراني وتوسعاته العدوانية في الوطن العربي. وأعجب به الرئيس اللبناني العماد ميشيل عون إلى درجة أن تكوم كلياً في أحضان حزب الله، وسلمه الخيط والمخيط والقيادة وسلم به بالتصرف الحصري في لبنان بلا حساب.

*وتر

هذه اللبنانية الباسلة

تقاوم..

تحارب الظلام

وتغول الحزبيات والطوائف..

وتفتح نوافذ للهواء..

وتضيء الشموع للسرى

والعابرين إلى الشمس