فواز العلمي&&


في اليوم التاسع من شهر ديسمبر الجاري صدر تقرير الأمم المتحدة بعنوان: "متحدون ضد الفساد" الذي أوضح أن قيمة الرشا في العالم فاقت خلال العام الماضي تريليون دولار، فيما بلغت قيمة المبالغ المسروقة بطريق الفساد ما يزيد على تريليونين ونصف التريليون دولار، لتساوي 5 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي. وأكد التقرير أن قيمة الفاقد في الدول النامية بسبب الفساد يقدر بعشرة أضعاف إجمالي مبالغ المساعدات الإنمائية المقدمة لهذه الدول.
ظاهرة الفساد تطول جميع الدول على اختلاف مستوياتها التنموية، فمن ضمن أكبر عشر دول في العالم في احتياطيات النفط والغاز، جاء أربع منها على قائمة أكثر الدول فسادا في العالم، ما أدى إلى تراجع نموها الاقتصادي وتخلفها في التنمية البشرية والاجتماعية ورضوخها لنوازع الاستبداد والاتكالية.

ولعل فنزويلا، التي تتربع على عرش مخزون النفط العالمي بمقدار 297 مليار برميل، وتحتل المرتبة الثامنة في احتياطيات الغاز الطبيعي بمقدار 196 تريليون قدم مكعب، لتفوق قيمة ثروتها الاجمالية طبقا للأسعار السائدة 35 تريليون دولار، أصبحت اليوم من أكثر الدول فسادا في المعمورة. ونتيجة لذلك انكمش اقتصاد فنزويلا في العام الجاري بنسبة 7.1 في المائة واستشرى الفقر في مجتمعها بنسبة 45 في المائة والبطالة بنسبة 36 في المائة، لتحتل فنزويلا المرتبة الـ161 بين 171 على المؤشر العالمي لمدركات الفساد، والمركز الـ186 بين 189 دولة حول العالم في تصنيف البنك الدولي لسهولة ممارسة الأعمال، والمركز الأخير في تسوية حالات الإعسار وسداد الديون.

وكذلك إيران التي تحتل المركز الرابع عالميا في مخزون النفط بمقدار 145 مليار برميل، والمرتبة الثانية في احتياطيات الغاز الطبيعي بمقدار 1187 تريليون قدم مكعب، لتفوق قيمة ثروتها الإجمالية طبقا للأسعار السائدة 37 تريليون دولار، تعاني اليوم تراجع اقتصادها المرير لفساد حكومتها. وأدى ذلك لتراجع مرتبة إيران إلى المركز الـ130 بين 171 دولة على المؤشر العالمي لمدركات الفساد، والمرتبة الـ144 بين 177 دولة على مؤشر الفساد الإداري. لذا لجأت إيران في الميزانية الحالية إلى فرض مزيد من الضرائب بنسبة 23 في المائة، وتخفيض دعم السلع الاستهلاكية بنسبة 26 في المائة، مع خفض دعم أسعار الخبز بنسبة 40 في المائة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية بنسبة 67 في المائة لتزداد حدة الفقر في بلد يعد من أغنى بلدان العالم بالنفط والمعادن والمياه والزراعة. وأدى تراجع الاقتصاد الإيراني إلى تربع إيران على المرتبة الثانية من أصل 90 دولة على مؤشر الإفلاس الاقتصادي، والمركز الـ180 من أصل 187 دولة على مؤشر التضخم.
وأيضا العراق، الذي يحتل عالميا المرتبة الخامسة في مخزون النفط بمقدار 140 مليار برميل، والمركز السابع في احتياطيات الغاز الطبيعي بمقدار 126 تريليون قدم مكعب، لتبلغ ثروته الإجمالية بالأسعار السائدة أكثر من 16 تريليون دولار، يعاني شعبه اليوم المجاعة التي طالت خمسة ملايين شخص بسبب ارتفاع نسبة الفقر إلى 41 في المائة، نتيجة التراجع الكبير في اقتصاده وتمادي فساد حكوماته، التي حققت المرتبة الـ170 بين 171 دولة على مؤشر مدركات الفساد العالمي.
في الأسبوع الماضي أعلن مجلس النواب العراقي أن ميزانية العام المقبل ستواجه عجزا ماليا ضخما يقدر بنحو 40 مليار دولار. هذا في الوقت الذي أوقفت الحكومة العراقية ستة آلاف مشروع تنموي بسبب ضعف التمويل وانخفاض أسعار النفط، ما سينعكس سلبا على التنمية الاقتصادية ويتسبب في تنامي المشكلات الاجتماعية.

ومنذ التدخل الإيراني السافر في العراق، ووفقا لتقرير منظمة الشفافية العالمية، تكبد العراق خسائر فادحة تفوق تريليون دولار، كان نصيب الفساد منها 450 مليار دولار، والباقي كان نتيجة الحروب والإرهاب والابتزاز. هذه الخسائر الفادحة تجاوزت 60 في المائة من عوائد النفط، و80 في المائة من الإنتاج الزراعي، و42 في المائة من المنتجات الصناعية، ما أدى إلى إقفال 33 في المائة من أبواب الشركات العراقية، وارتفاع نسبة البطالة إلى 41 في المائة.
وعلى مؤشر السلام العالمي، الذي تضمن 170 دولة، جاء العراق في ذيل القائمة للتنافس مع سورية والصومال وأفغانستان على الفوضى والانفلات الأمني والأعمال الإرهابية والحروب الميليشية، خاصة مع ازدياد عدد مدمني المخدرات بنسبة 250 في المائة، وتضاعف عدد الجرائم الأخلاقية بمعدل 430 في المائة.

وكذلك نيجيريا، التي حققت عالميا المرتبة العاشرة في مخزون النفط بمقدار 36 مليار برميل والمركز السابع في احتياطيات الغاز بمقدار 19 تريليون قدم مكعب، إضافة إلى تحقيقها المرتبة الثامنة عالميا في إنتاج الخشب، تعاني آفة الفساد وأخطار سوء الإدارة التي أعلن الرئيس الحالي حربا عليها. وتشير الإحصائيات الأخيرة لمؤشر الشفافية الدولية إلى أن نيجيريا تخسر سنويا 18 مليار دولار بسبب سرقات النفط، لتحل المرتبة الـ136 بين 171 دولة على المؤشر العالمي لمدركات الفساد. إضافة إلى تراجع أسعار النفط أدى الفساد إلى تخفيض سعر صرف العملة المحلية بواقع 21 في المائة، وهبوط الاحتياطيات الأجنبية بنسبة 66 في المائة، ما أسهم في تفاقم حدة الفقر بنسبة 90 في المائة، وانحدار مؤشر التنمية البشرية للمرتبة الـ152 عالميا، خاصة أن النفط يشكل في نيجيريا 90 في المائة من الصادرات و85 في المائة من الإيرادات.

ولأن الفساد دون عقاب هو أصل البلاء أصبحت هذه الدول الغنية بالنفط والغاز من أكثر دول العالم فقرا وتراجعا في التنمية والاقتصاد.

&