لا يمكن لشخص أن يتعلم إلا ويصاحب هذا التعلم أخطاء وتقويم مستمران. إحدى المراحل الأساسية للتقويم هي التغذية الراجعة (feedback)، وهي بمثابة تشخيص مواطن القوة والضعف ليتمكن الشخص من تطوير مهاراته وتعلمه.

أما الشركات والمؤسسات الخدمية فتعتمد على استطلاع آراء المستفيدين لتستمر في تحسين الخدمات ورفع تنافسيتها والاستحواذ على الحصة الأكبر من السوق. تعرف الجهات الذكية منها أن انتقاد المستفيدين بمثابة الهدية التي تدلهم على درب الحلول.

على عكس هذه القطاعات هو القطاع البلدي وهو ما يظهر جليا في كل موسم للأمطار. سنة تلو الأخرى تغرق أجزاء من مدننا فتشل حركة المرور ويتضرر الناس والممتلكات الخاصة من سيارات وبيوت. أمطار الخير والبركة ترتبط بالمصائب التي تنتج عن عدم الجاهزية في التعامل معها. رغم الخطط والاجتماعات التي تسبق موسم الأمطار بوعود واثقة تؤكد جاهزية الأمانات والبلديات، إلا أنه لا بد أن تتحول بعض الشوارع إلى أنهار والتقاطعات إلى بحيرات بشكل متكرر.

مع تكرار المشهد من أمطار وغرق وأضرار ينقسم الناس إلى ثلاثة أنواع وهم: المجامل، واليائس، والمنتقد. الأول هو المجامل القريب للبلديات يرى جهودا تبذل فيثني عليها رغم الأضرار الفادحة خوفا من أن يقال عنه أنه سوداوي لا يرى إلا المشاكل وينكر الجهود. أما اليائس فهو من قرر ألا ينفخ في قربة مشقوقة لأنه سواء تكلم أو سكت لا يعتقد أنه سوف يرى اختلافا. بين هاتين الفئتين يوجد المنتقد وهو في الغالب متضرر فيعبر عما يعيشه من ضرر ويطالب بالإصلاح ولكن بدلا من أن نرى أنه ضحية نجد الأمانات وبعض الناس تأخذ ردة فعل عليه. فالبعض ينتقد المنتقد من حيث توقيت الانتقاد قائلين إن هذا وقت الشدة الذي يتطلب العمل الجماعي وأن الأصوات السلبية تشتت الجهود، بينما الآخر قد يبدأ في فحص لغة وأسلوب الانتقاد متناسين السبب الأصلي الذي دعا المنتقد لنقده. فيما عدا ذلك يتم تجاهل المنتقد من قبل الأمانات. فبالرغم من كثرة وسائل التواصل -التي يفترض أن تكون في الاتجاهين- يجد المنتقد والشاكي أنه يكلم نفسه.

لسبب أجهله تعمل الأمانات بمعزل عن آراء وملاحظات الناس وهي من أكبر الجهات الخدمية التي تمس حياة الناس اليومية. حتى في التقييم لأعمالها تعتمد بالدرجة الأولى على تقييمها الذاتي. إلى متى ونحن نعيد التاريخ وندور في حلقة مفرغة؟ هل كون الأمانات ليس لها منافس يجعلها تتكاسل في طلب رضا المستفيدين؟ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- قال: رحم الله من أهدى إلي عيوبي. متى تنتهج الأمانات نهج ولاة الأمر؟ صوت المواطن له دور مهم في التنمية وإيجاد الحلول فلا تجعلوا المواطن يقف وحيدا وسط السيول أمام منزله.