&نايف الوعيل

على هامش كافة مُحاولات الحصاد الدائرة بحلول نهاية العام، أعتقد أن واحداً من أكثرهم أهمية وجدوى، هو حصاد العقد الصحفي الأخير، لا أقول على المستوى المحلي، وإنما من حيث الطريقة التي تغير بها وجهة مهنة الصحافة في العالم كله، فلما يعُد يعرفها ممارسوها كما عرفوها من سنوات عشر، لا أقول إنها أصبحت أكثر يُسرًا مثلاً إذ خالطتها التكنولوجيا، بالعكس، أعتقد أن السمة المميزة العامة لهذا العقد، كانت التحوّلات البنيوية العنيفة، شديدة السرعة، والتي زادت وتيرتها في النصف الثاني من العقد الأخير، ما جعل من العسير على البعض مواكبتها، والإبقاء على الشكل والمضمون الذي اعتادوا إنتاجه، مع بعض مُحاولات التكيُّف، رافعين الراية في أوقات متباينة، ومسلّمين بضرورة التغيير الجذري والشامل.&

بنظرة سريعة على الماضي القريب، نستطيع رصد بعض أبرز ملامح التغيير في مفردات العالم الصحفي؛ فبداية، شهدنا مع العقد الجديد تحول ملفت للنظر في الدور المفروض على وسائل التواصل الاجتماعي، من أدوات للتسلية والترفيه وتعزيز التواصل الإنساني إلى أداة نشر خبرية فاعلة، تستند إليها المؤسسات الإعلامية الكبرى، كما تستخدم كأحد روافد صحافة المواطن، فبات ينطبق عليها التعبير الإنجليزي «Game Changer» من جهة أخرى شهدنا تطوراً شديد الأهمية في الروافد المالية للمؤسسات الإعلامية الكُبرى، إذ لم تعد الإعلانات الخارجية مصدر الدخل الأهم للصحيفة، بل عزز العقد المنصرم شراكة قوية ما بين الصحيفة والقارئ، جعلت الجريدة تعتمد في تحرير محتواها على الاشتراكات المقننة، بل ودعم الجمهور وتبرعاته في بعض الأحيان، تلك الاشتراكات أيضًا لم تعد تتضمن الصحيفة الورقية فقط، بل مقالات وموضوعات مميزة على المواقع الإلكترونية، إذ أصبح المحتوى الرقمي سائداً، خاصة بعد أن تخلت بعض الصحف العالمية بغير رجعة عن طبعاتها الورقية.&

هل وقف سيل التبدل السريع عند هذا الحد؟ الإجابة لا.. ففي هذا العقد أيضًا شهدنا الازدهار منقطع النظير لأنماط الصحافة الرقمية التفاعلية، التي تتيح للقارئ الاستمتاع بالمادة الصحفية بصريًا قبل استيعابها عقليًا، في تجربة دائمًا ما تكون مثيرة للتأمل شديدة الجذب، تجعل القارئ وكأنه جزء من القصة الصحفية، بل وأتاح العقد المنصرم أيضًا للمتابع أن يتواصل مع صالة تحريره المفضلة دون إرسال خطاب رسمي، يكفي فقط تعليق قصير على الموقع، أو ربما رسالة إلكترونية أكثر تفصيلًا.&

استشراف ما سيكون عليه مستقبل الصحافة في العقد الجديد ليس بالأمر السهل في الحقيقة، فبالرغم من أكثر خيالاتنا جموحًا، والتي بوسعها تصوُر غرف أخبار أكثر تكنولوجيّة، والذكاء الاصطناعي يغزو غرف الأخبار ويأخذ محله من الدورة الصحفية (حدث بالفعل خلال العقد الماضي)، يقنن تقرير منشور مؤخرًا بموقع «جورناليزم» تصوراتنا عن العقد المقبل، فيرشح أن العقد الجديد سيكون عصر الأخبار الزائفة ومكافحتها بامتياز وتوظيف التكنولوجيا في ذلك، قصص صحفية تستخدم تقنيات الواقع المعزز أحد السيناريوهات المطروحة بقوة من قبل صناع التقرير، سيأتي كل هذا بالتأكيد برعاية صعود أبناء جيل الألفية إلى بعض المناصب القيادية أو شبه القيادية، كمسؤولين عن قاسم كبير من تحولات العقد المتوقعة، أكثر حرية وجرأة.