عاطف الغمري

النظرة التحليلية لقرار مجلس النواب الليبي، بإلغاء مذكرتي التفاهم اللتين وقعهما فايز السرّاج رئيس حكومة الوفاق مع الرئيس التركي أردوغان، واللتين تسمحان له بإرسال قوات من الجيش التركي إلى ليبيا، هي نظرة تتأمل الدلالات الرمزية لما يمثله السرّاج كجزء من نوعية من أمثاله، تكاثر وجودها في دول أخرى بالمنطقة، تم تجهيزها على يد مخابرات دول أجنبية، ولخدمة مخططات معروفة تجري ممارستها في مختلف دول منطقتنا العربية.
إن ما فعله السرّاج ميدانياً هو أنه فتح أبواب بلاده طواعية أمام تركيا، كقوة غزو أجنبي، يعرف هو عنها ذلك تماماً، ولا يخفى عنه سجلها في السعي نحو نفس الأهداف في سوريا والعراق وغيرها.
ولم يكن السرّاج يتصرف منفرداً، فهو أيضاً جزء من تجمع ميليشيات إرهابية تعمل في خدمة الغزو الخارجي.

والسرّاج وجدت فيه تركيا ضالتها، ليلعب الدور نفسه الذي تلعبه أطراف أخرى يفترض أنها عربية، لمصلحة قوى خارجية، ولا تخفي ولاءها لها، ليسبق الولاء لوطنها.
لقد شغلت مراكز متخصصة في الغرب بدراسة هذا النوع من العلاقات بين القوة الأجنبية وعناصر ذات نفوذ داخل دولها الإقليمية، واستقرت الدراسات على أن الإرهاب في صورته المتطورة، والذي تنتشر خلاياه في دول المنطقة (سوريا وليبيا على سبيل المثال) هو حلقة في تطور الفكر الاستراتيجي لقوى خارجية، وهو يستهدف أساساً إشعال الفوضى في الدولة التي يقصدها، لتتحول إلى دولة فاشلة يسهل زعزعة استقرارها، وإن هذه الأهداف لن تتحقق إلا باستخدام وكلاء محليين، هم مجرد أدوات للتنفيذ.
وعن طريق هذه العلاقة جرى إشعال صراعات وحروب محلية داخل الدولة المطلوب هدم كيانها الوطني، ويتم ذلك من خلال ترتيبات متفق عليها مباشرة مع الوكلاء المحليين (السرّاج وأمثاله)، أو باختراق مخابرات هذه الدولة للأطراف المحليين الذين يقودون معاركهم ضد الجيش الوطني، لكونه العمود الفقري الذي يقيم بنيان الدولة، ويحميها من التفتت والسقوط.
ولوحظ أيضاً أن الترويج لفكرة أن الجيش الوطني عدو، قد أطلقت بشكل واضح فور نهاية حكم الإخوان في مصر، من جانب تنظيم الإخوان، وانتشار هذه الدعوة بين جماعات التطرف والإرهاب المنشقة عن الوطن، كمبدأ للجماعات الرافضة للوطن، الذي يفترض انتماءها إليه.

كان معنى ضرب الجيش وتفريغ الوطن من وجوده، من شأنه، في حسابات هذه الجماعات - ومن ورائها القوة الخارجية التي تحركها - هو خلق فراغ داخلي يمكن أن يسهل اقتحام حدودها، من جماعات مسلحة أغلبها وافدة من دول أخرى، لا يربطها بالوطن الذي تسللت إليه أي من أواصر الانتماء، وبالتالي تفسح مجالاً يهيئ لاستقدام القوة الأجنبية التي تربط بها، والتي جاءت لتخلق شكلاً من أشكال الاستعمار القديم، وإن أضيفت إليه بعض سمات العصر، من العمل على إنشاء بيئة طاردة لأبناء البلد، جاذبة للوافدين من جنسيات أجنبية، لإقامة صورة من صور اللادولة، يشتعل فيها صدام مع الدولة - الوطن.

كما لوحظ أن الإحاطة الواعية للقوة الوطنية الليبية، بقواعد وأهداف هذه اللعبة التآمرية، كانت دافعاً لتكاتف البرلمان الليبي مع قيادة الجيش الوطني، واتهام السرّاج ومعاونيه بالخيانة العظمى، وأيضاً توجه قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر إلى جموع الشعب الليبي في كافة أرجاء البلاد، للتطوع كمجندين في صفوف الجيش، يحملون السلاح دفاعاً عن وطنهم.
وهو ما يجعل المواجهة تتخذ مسارها الطبيعي، ما بين شعب يدافع عن كرامة وطنه ودولة أجنبية استعانت بوكلاء لها في الداخل، وضعوا أنفسهم في خدمتها ضد الوطن الليبي.