داهم القحطاني

قال لي صديق إنه يشعر بنوع من الارتياح، لصدور أحكام بالسجن على وزراء وشيوخ ومتنفذين سرقوا الأموال العامة، فذلك الأمر لم يكن يحصل في السابق. ‏فقلت: هذا يا صديقي الوضع الطبيعي والمفترض، فنحن شعب محترم، ووجود شرذمة من سراق المال العام أمر يفترض أن يكون شاذا وطارئا، فأخطر ما يمكن أن تواجهه دولة أن تتحول السرقة في ثقافتها العامة إلى حق مكتسب، ويتحول النصب إلى شطارة، وتكون الغلبة لصاحب الصوت العالي واليد الطولى بالباطل. ‏وقلت يا صديقي إن المطلوب ليس فقط معاقبة من سرق، بل منعه في الأصل من السرقة، فهؤلاء المتنفذون، من أصحاب السطوة والسلطة والواسطة والنفوذ، لم يكونوا ليجرموا في حق الشعب الكويتي، لولا أنهم وجدوا تسهيلات كثيرة بحكم نفوذهم أو مناصبهم العامة أو حظوتهم الاجتماعية.

‏الناس فيهم الصالح وفيهم الطالح، والصالح منهم يريد أن يرى حكم القانون مطبقاً لكي يبقى على صلاحه، والطالح منهم ينتظر ضعف القانون لكي يواصل سرقاته وانتهاكاته للأموال العامة، ولهذا يقع على الدولة، ممثلة بالحكومة، ومجلس الأمة، وقوى المجتمع المدني، والصحافة الوطنية الحرة، مهمة التصدي للعصابات المتزايدة التي أصبحت تملأ السمع والنظر، لكي نمنع تحول بلدنا إلى أن يكون «مكسيك» أخرى تتحكم فيها العصابات، كما رأى العالم بأسره أخيرا، عندما قام رئيسها بإطلاق سراح قادة العصابات، حين عجزت الدولة عن مواجهتهم. ‏لا تتغير نظرة الناس بسبب حكم صدر هنا أو هناك ضد شيخ أو متنفذ أو تاجر، فالعبرة بأن تكون للقانون هيبة، وألا يكون القانون مجرد عصا غليظة يضرب بها البعض ويترك البعض الآخر فقط، لأن لديه درعا من الوجاهة الاجتماعية.