كمال بالهادي

يصرّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على فتح جبهات صراع عديدة في المنطقة، و كأنّه يريد جرّها إلى حرب شاملة مدمّرة، معتقداً أنّ تركيا باتت تملك من القوّة ما يجعلها تمارس عنجهيّة القول و الفعل، وسط محيط عربي مشتّت و مدمّر في أغلب أركانه.
مأساة الحرب السورية المندلعة منذ نحو عشر سنوات، لا يمكن أن يكون أردوغان بريئاً منها حتى و إنّ ادّعى مرات عديدة أنه يتدخّل لفائدة الشعب السوري. لقد كانت تركيا على مرّ التاريخ شوكة في خاصرة الوطن العربي، وهي لم تغفر للعرب ثورتهم ضد حكم الأتراك و استقلال دولهم، لذلك مازال الرئيس التركي يكرّر أنّه يتحرّك فيما يسميها الأراضي التاريخية لأجداده، متناسياً أن الوضع تغيّر، وأنّ القوانين الدولية تمنع التدخل في شؤون الدول الأخرى، وأنّ عصبة الأمم كانت قد اعترفت باستقلال الدول العربيّة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعيد تركيا نفوذها واستعمارها للأراضي العربية، و أن كل ما تفعله الآن يدخل ضمن إطار جرائم الحرب ضدّ الإنسانية، والتي تستوجب المحاكمة الدولية.
من هذا المنطلق استعدى أردوغان أغلب الدول العربية، حينما قرّر التحالف مع قطر ضمن حلف إخواني، وهو تحالف كشف نوايا الرئيس التركي التي تثبت مساعيه إلى إضعاف كلّ الدول العربية ودون استثناء، من أجل أن ينشر فيها فكره الإخواني وينشر فيها جماعات المخرّبين التي رأينا سود أعمالها في كل من العراق وسوريا. لقد حرّض الرئيس التركي على سوريا، وقتل جنودها، وحرّض على مصر والسعودية والإمارات، و يسعى إلى السيطرة على ليبيا، بعد أن خاب أمله في السودان. أما الحدود الشمالية للعراق فهي مستباحة بشكل كامل من قبل القوات التركية.

لا يكتفي الرئيس التركي باستعداء العرب، بل إنه يستعدي الأوروبيين، و يستخدم اللاجئين السوريين بطريقة لا إنسانية في صراع الحرب الباردة مع بروكسل، فهم إن لم ينفذوا طلباته فإنّه يسوق اللاجئين كالقطعان إلى الحدود مع اليونان و يسحب جنوده من أجل الضغط على الأوروبيين بورقة اللاجئين، الذين لا ذنب لهم والذين ساهم أردوغان في تهجيرهم من وطنهم بدعم المجموعات الإرهابية.
حتّى عندما أراد أردوغان لعب دور سياسي، و استطاع أن يحجز مقعداً في مؤتمرات سوتشي وأستانة حول سوريا، فإنه كان يريد تحقيق مكاسب شخصية وإخوانية، ولم يكن يضع في حساباته حل الأزمة وتنفيذ العهود التي كان ينكثها في كل مرة. وعليه فإن موسكو، كانت في كل مرة، ترفع وتيرة الصراع مع أنقرة، لأنها تدرك أن الشريك الذي باع أصدقاءه العرب والأوروبيين والذي يغيّر تحالفاته كلّ يوم، ليس بالصديق الذي يمكن الوثوق به، خاصة وأنه ذهب إلى أوكرانيا وعبّرمن هناك عن عدم اعترافه بسيادة موسكو على شبه جزيرة القرم. وهي قضية في غاية الحساسية بالنسبة للكرملين.

إنّ استعداء الخارج، لم يكن هو الخطيئة الأردوغانية الوحيدة، فالرجل استعدى الداخل التركي، و جعل أقرب مناصريه يخرجون عن سربه و يغرّدون ضدّ دكتاتوريته وضد سياساته الخارجية الخاطئة، ناهيك عن المعارضة التركية التي باتت تستبق الزمن من أجل جمع القوى السياسية والبحث عن منفذ للذهاب إلى انتخابات مبكّرة بعد أن ضاقوا ذرعاً برئيسهم. عبدالله جول الرئيس التركي السابق و أحمد دواد أوغلو وكمال كيلشدار أوغلو، ثلاثة رموز تركيّة خرجت عن صمتها و انتقدت نقداً لاذعاً أردوغان. فعبدالله جول قال: إن تركيا لا يمكنها خوض حرب شاملة مع سوريا، ودعا إلى تصحيح العلاقات مع مصر، أما أحمد داود أوغلو فقال: إن مذبحة الجنود الأتراك هي الأكثر قسوة في تاريخ تركيا الحديث، وطالب الحكومة بكشف كل التفاصيل عن الحادثة، وانتقد أوغلو تراجع دور البرلمان في انتقاد صريح لسياسة التفرد بالرأي التي ينتهجها أردوغان. أما زعيم المعارضة كمال أوغلو فقال: إن بلاده أنفقت 40 مليار دولار في حرب عبثية كانت نتيجتها أكثر من 6 ملايين لاجئ سوري في تركيا، ودعا إلى انتخابات مبكرة للإطاحة بحزب العدالة والتنمية، مؤكداً أن سياسة تركيا الخارجية يجب أن تكون مبنية على السلام لا على الحروب.
فهل بات أردوغان يشكل عقبة أمام السلام العالمي؟ وهل بات عبئاً ثقيلاً لحلفائه المؤقّتين و للداخل التركي حيث تقوى شوكة المعارضة يوماً بعد آخر. إنّ مستقبل الصراع في إدلب سيكون له شأن كبير في حسم مستقبل تركيا الداخلي.