عبدالله جمعة الحاج


قبل الإعلان الرسمي لقيام الدولة الاتحادية قضت النخبة السياسية الحاكمة وقتاً طويلاً لكي تتوصل إلى الصيغة النهائية للدستور المعمول به حالياً في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وبفحص الدستور وما يحتويه، وعلى ضوء السمات والخصائص التي تميز بين الأشكال المختلفة لأنواع الاتحادات المتواجدة في العالم، يلاحظ بأنه يقيم اتحاداً تعاقدياً، ففي مقدمته «الديباجة»، يشير إلى رغبة الإمارات السبع في إنشاء دولة اتحادية فيما بينها، وإلى ترحيب الدولة الاتحادية بانضمام أية دولة عربية مستقلة إلى الاتحاد بعد موافقة المجلس الأعلى للاتحاد على ذلك بالإجماع.

وبتمحيص أحكام الدستور يتضح بأن الاتحاد يمارس السيادة على جميع أراضي الدولة الاتحادية ومياهها الإقليمية الواقعة ضمن الحدود الدولية للإمارات الأعضاء.
وينظر الدستور إلى شعب الدولة الاتحادية على أنه شعب واحد له جنسية واحدة ولغة رسمية واحدة، هي اللغة العربية ودين واحد هو الإسلام.
لقد حرصت النخبة السياسية الحاكمة على أن يوضح الدستور ويعكس طموحات مهمة لشعب الدولة الاتحادية في صيغ من الأهداف المراد تحقيقها.
وتوجد ثلاث منظومات تسعَى الدولة نحو تحقيقها، الأولى، وتعتبر شاملة لعدد كبير من الأهداف المعلنة والضمنية، تتعلق بتوفير الحياة الحرة الكريمة لشعب دولة الإمارات كافة، وتوفير الأمن والاستقرار والطمأنينة له ولكافة المقيمين على أرضها، بالإضافة إلى تحقيق المكانة الدولية اللائقة بالدولة وشعبها.

أما المنظومة الثانية، فترتبط بترجمة الأهداف المرسومة على المستوى الوطني في أشكال من المحافظة على استقلال وسيادة وأمن البلاد ودرء المخاطر التي تهدد كيانها أو كيان الإمارات المكونة لها، وحفظ حقوق وحريات شعب الدولة الاتحادية، وتحقيق التعاون الوثيق بين مكوناتها السبعة.
وتتعلق المنظومة الثالثة بالأهداف التي يوضحها الدستور لمعالجة شؤون السياسة الخارجية والتعاون الدولي وعلاقات الدولة بكافة دول العالم.
ومن جانب آخر، عملت النخبة السياسية على أن يتضمن الدستور منح الحكومة الاتحادية اختصاصات محددة، ويترك ما عداها للحكومات المحلية، بمعنى أن أية وظائف لا ينص عليها صراحة بأنها من مسؤوليات الحكومة الاتحادية تصبح بطريقة آلية من اختصاص الحكومات المحلية.

وبناء على ذلك، فإن تفويض السلطة من قبل الحكومات المحلية للدولة الاتحادية يحدث بشكل طوعي وبنّاء.
ومن المهم الإشارة إلى أن تفويض السلطة للحكومة الاتحادية عادة ما يؤدي إلى تعضيد دورها في خدمة الدولة والمجتمع، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار بأن الأوضاع في دولة الإمارات تفصح عن أن السلطات والوظائف والاختصاصات الممنوحة للمستوى المحلي واسعة وكافية لمساعدتها على أداء أدوارها.
وبناءً على سعي النخبة السياسية إلى خلق التناغم والتواءم والانسجام بين المستويين المحلي والاتحادي، فإن الدستور لم يفته توضيح قوته الذاتية وقوة أي قانون أو مرسوم اتحادي أو قرار اتحادي.
هذا الإجراء التراتبي في الذهن، الدستور الاتحادي يعمل على تسيير أمور الدولة الاتحادية ويحفظ استمراريتها. فالدستور أرادت له النخبة السياسية التقليدية أن يورد خمس بنى رئيسة هي المجلس الأعلى للاتحاد ورئيس الاتحاد ومجلس الوزراء الاتحادي والمجلس الوطني الاتحادي والسلطة القضائية يعكس أهميتها في الحياة السياسية والدستورية للبلاد.

لكن المهم في الأمر هو أن جميع هذه المؤسسات تعمل بتناغم شديد على تحقيق وتنفيذ الخطط الاستراتيجية الكبرى للبلاد وعلى تحقيق المصالح العليا للبلاد بما في ذلك الجوانب الاقتصادية، حيث يشير الدستور إلى أن الإمارات الأعضاء تشكل وحدة اقتصادية وتجارية وجمركية واحدة وحركة الأموال والسلع على كامل ترابها مضمونة، ولا يمكن الحد من حركتها إلا من خلال القوانين والتشريعات الاتحادية.