عبدالجليل معالي

أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، استقالته من منصبه الاثنين الماضي.، وحدثُ الاستقالة لا يعني من اعتذر عن «عبء» المسؤولية الأممية، بقدر ما يعني المتبرمين من أداء الوسيط والمتسائلين عن نزاهة الوساطة.


جاء سلامة إلى ليبيا، في يوليو 2017، خلفاً لمارتن كوبلر، ورحبت أوساط ليبية كثيرة به باعتباره العربي الأقرب، بين مرشحين آخرين، لفهم الأوضاع الليبية المترنحة.

سلامة كان مسبوقاً بفشل أسلافه في ليبيا، كما فشل أغلب المبعوثين الأمميين إلى اليمن وسوريا ولبنان وغيرها من الرقع العربية المشتعلة.

عوامل كثيرة تضافرت لتعسر مهمة سلامة، منها: فشل البعثات الأممية السابقة في أكثر من قُطْر عربي، وتعقد الحالة الليبية، وتقاطع الأدوار الأممية، ووقوع الأزمة الليبية في مفترق المصالح الدولية، إضافة إلى عدم تمكنه من قراءة التضاريس السياسية والاجتماعية الليبية المركبة.

لكن السقطة الأكبر لسلامة كانت تتلخص في ما أصاب تحركاته من لوثة الانحياز، فقبل استقالته بأشهر تصاعدت الانتقادات الليبية ضده، وكانت تجمعُ على أن دوره يقتضي منه أن يقرأ الأزمة الليبية بلغتها، وأن يدرك الحقائق السياسية والاجتماعية والتاريخية، قبل أن يصدّق الادعاءات وقبل أن يرضخ للضغوط.

انحاز سلامة إلى جماعة الإخوان ومن لفَّ حولها، من ميليشيات وجماعات مسلحة وأمراء حرب.. انحياز تأكد مع ما رافق مختلف جولات محادثات جنيف، فبراير الماضي، حين حرص على دعوة أطراف قريبة من حكومة الوفاق وأصرّ على اعتبارها من «المستقلين».. مسألة إجرائية أثارت غضب البرلمان الليبي، وعمقت تشكيكه في «نزاهة» سلامة وبعثته.

البعثة الأممية إلى ليبيا وفرت كل الأدلة على عدم انحيازها، وبددت كل علامات نزاهة ما تقوم من وساطات.

استقال غسان سلامة لأنه كان على شاكلة أسلافه في ليبيا وفي غيرها، وسطاء بلا نزاهة، وفي استقالته، نصاً وحدثاً ودلالات، إقرار بفشله في احتواء الأزمة الليبية وفي لعب دور الوسيط الذي يتخذ مسافة واحدة من جميع أطراف النزاع.

وفي الأثناء تواصل الميليشيات عربدتها في ليبيا ويواصل فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق، دفاعه عن التدخل التركي معتبراً أن «تعاون طرابلس مع أنقرة حق شرعي لها وواجب سيادي لحماية مواطنيها من المعتدين». وتكتمل الحلقة المفرغة الليبية بأن سلامة اصطف مع الإخوان، وحاول عقد حوارات بشروط مختلة، ومع ذلك ضغطت تركيا عبر ممثليها في ليبيا لإجهاض كل حوار ممكن.

تأجل الحوار الليبي إلى أجل غير معلوم، واستقال سلامة، وواظبت تركيا على إرسال مرتزقتها وسط تهليل أدواتها الإخوانية.