هاني سالم مسهور

تحاول عدة أنظمة تفكيك ما يسمى «الصحوة الإسلامية»، وهو مصطلح يطلق على الفترة الزمنية التي اختطف فيه دعاة تيارات الإسلام السياسي الهوية الإسلامية، وأخضعوا القيم والمبادئ الإسلامية لأفكارهم المنحرفة، وسخروا الإسلام لتمكينهم من السلطة الدينية في محاولتهم إخضاع المجتمعات لمنهجهم الضال الذي أسسه حسن البنا في القرن العشرين الماضي تحت جناح «الإخوان».
غير أن ما يسمى «الصحوة الإسلامية» كان لها ملامحها ومنظروها وروادها، وكانت المجتمعات خاضعة لهذا التيار الجارف، واستفادت منه عدة تيارات متشددة مرتبطة بالعنف المسلح، وهو ما صاغ تلك المرحلة التاريخية بالإرهاب، فلقد أفرزت كيانات ارتبطت بالإرهاب، واستقطبت الشباب صغار السن، واستخدمتهم لتنفيذ جرائم القتل والتفجير لإرهاب المجتمعات المستهدفة.
كان دعاة الغفوة يجندون مئات الآلاف من المغفلين إلا أن تحولت تلك المجاميع لخطر هدد معه الدول والمجتمعات، وكانت سنوات «الربيع العربي» تأكيد لمدى الخطر على أمن واستقرار المنطقة العربية، خاصة مع ظهور تنظيم «داعش» الإرهابي، وما شكّله من بشاعة في القتل والتدمير، وكان الأخطر في استخدام الدول لهذه الجماعات والكيانات.

وعبر سنوات الأزمة السورية استخدمت تركيا هذه الكيانات لتنفيذ مخططها في سوريا، وكذلك تفعل في ليبيا بنقلها المقاتلين المنتمين لتلك الكيانات لإشعال الحرب الليبية، ولتوظيفها سياسياً، بما في ذلك احتلال لأراضٍ عربية باستخدام مسوغات كمحاربة الإرهاب، كما أن النظام التركي استخدم ورقة اللاجئين السوريين كورقة ابتزاز للدول الأوروبية لتمرير مخططات التدخل في سوريا، وهو ما يعمل على استنساخه في المشهد الليبي عبر الكيانات المصنفة إرهابية.
في غمرة هذه الأحداث، ظهر الداعية الشيخ عايض القرني في مقطع تلفزيوني بكامل الشجاعة الأخلاقية ليعلن براءته من كل إشاداته السابقة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأنها آراء خاطئة تتطلب الاعتذار عنها في تكرار لمواقفه الشجاعة، فقد ظهر قبل عام مضى ليعلن براءته من كل ما يتعلق به خلال فترة ما يسمى الصحوة من أفكار دينية وغيرها.
أردوغان يراهن على الشريحة المتبقية في زمن الغفوة، فهو يخاطبهم بدغدغة عواطفهم عن «الخلافة الإسلامية» التي انتهت برحيل الخلفاء الراشدين واستخدمها الأتراك، ليبسطوا نفوذهم على دول العالم العربي والإسلامي في حقبة تاريخية اقترنت بالمظالم، وبلغت بنهب الحجرة النبوية الشريفة وحصار أهل المدينة المنورة، كما نهبت مقتنيات الجناب المحمدي الشريف لمنح القداسة لولاة تركيا أو ما يسمون بحكام الباب العالي في حقوق مقدسة يحق للمسلمين اليوم المطالبة باستردادها كحق من حقوق المسلمين سرقت في زمن تاريخي معلوم.

أردوغان وغيره ممن يتصدرون الكيانات المتأسلمة، يخاطبون عواطف أهل الغفلة الغارقين في أوهام الخلافة، ويهربون عبر الخيال من الواقع الذي أنتجته الحروب العالمية الأولى والثانية والتطور الإنساني والمعرفي الذي أنتج بدوره الدولة الوطنية بقيمها وحقوق المواطنة وعبر القوانين والنظم العادلة القائم عليها المجتمع الإنساني المعاصر.
الغافلون الحالمون بالخرافات والأساطير هم كقطيع أغنام يقودها الراعي إلى مذابحها أو مراعيها دون أن تدرك مصيرها، وكذلك فعل زعيم تنظيم «داعش» أبوبكر البغدادي بالآلاف من اتباعه الذين دفعوا أرواحهم وأرواح الأبرياء في تنفيذ أجندات شيطانية تدميرية دمرتهم قبل أن تدمر غيرهم.
الأردوغانية تعيش على غفلة مجموعات كانت ضحية لمرحلة اختطف فيها الخطاب الديني واستحوذ عليه تنظيم «الإخوان» وفروعه كتنظيم «القاعدة» و«داعش» وغيرها من الكيانات المتوحشة، الدول أمامها مسؤولية إيقاظ الشعوب من الغفلة الدينية عبر خطاب عصري يخاطب العقول ويستدعي القيم الدينية الحقيقية، ويطوي حقبة الاحتكار للإسلام، كدين اقترن بالتعايش، وبمخاطبة العقل عبر أول آية أنزلت.. اقرأ باسم ربك الأكرم.