صلاح بن فهد الشلهوب

عقدت قمة العشرين الافتراضية الطارئة التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين، قادة أعظم 20 دولة اقتصادية لمناقشة تداعيات مرض العصر "كوفيد - 19" الذي أصبح يهدد دول العالم دون استثناء ويضغط على الخدمات الصحية في دول العالم كلها، ولم يستثن الدول الفقيرة أو الغنية، حيث أصبح العالم مع ترابطه الكبير وسهولة التنقل بين دوله، ييسر انتقال مثل هذه الأوبئة بصورة كبيرة، فقد تضاعفت أعداد المصابين بهذا المرض بصورة كبيرة حول العالم، خصوصا في دول أوروبا، وبدأ فعليا بالانتشار في دول أمريكا الشمالية، وقد يستمر في الارتفاع بصورة كبيرة فيما لو لم يكن هناك تنسيق بين دول العالم وإجراءات صارمة مشتركة بينها للحد من انتشاره فيها بما يؤدي تلقائيا إلى انتشاره في دول أخرى، فمثل هذه الأوبئة لا تظهر علاماتها مباشرة على المصاب، بل تأخذ وقتا تجعل حامل "الفيروس" يتعامل مع الناس بصورة اعتيادية، ثم ينتشر بينهم، وبعد ذلك تظهر الأعراض عليهم. ويختلف الناس في مستوى قدرتهم على مقاومة المرض، حيث إن البعض يمكن أن يمر عليه المرض كأنه إنفلونزا موسمية خفيفة، لكن يمكن أن يكون سببا في وفاة شخص آخر، خصوصا كبار السن أو من لديهم أمراض مزمنة.

التوافق الأممي اليوم أصبح ضرورة وليس خيارا، فتمدد المرض بوضعه الحالي يجعل الجميع أمام خيارات محدودة فيما لو كانوا فعلا يتطلعون إلى إيجاد حل يستفيدون منه، فلا يمكن أن تكون هناك إجراءات في دول محددة صارمة للحد من انتشاره في حين أن هناك مناطق أخرى حول العالم لا تتخذ ما يكفي من إجراءات، كما أن ضعف الشفافية لدى بعضها قد يكون سببا في تعقيد أمر المعالجة والحد من انتشار الوباء في ظل كون تلك المناطق مصدرا لانتشاره. ولا بد أن يعلم العالم اليوم بعد هذه الأزمة المريرة أن أثرها غير المباشر سيمتد لا محالة للجميع، فبعد أن بدأ هذا المرض في الصين، اهتزت الأسواق العالمية، والدولة التي تصنع للعالم كل شيء تقريبا أصبحت عاجزة عن توفير كثير من الاحتياجات الخاصة لنفسها. وها نحن اليوم نشاهد الدول الصناعية المتقدمة تعاني شحا كبيرا في الأدوات اللازمة لمواجهة المرض بسبب سرعة تفشيه ونفاد ما لديها من مخزون بسبب حجم الطلب الكبير والمفاجئ، وهنا يعد العالم اليوم أمام فرصة تاريخية للاتفاق على الحد الأدنى من الإجراءات فيما يتعلق بالتنسيق الخاص بالأنظمة الصحية لديه، وأن يكون هناك تنسيق عال مرتبط بمنظمة الصحة العالمية، كما ينبغي أن يكون لمنظمة الصحة العالمية دور فاعل في مواجهة المرض بالتنسيق مع الأعضاء في الأمم المتحدة، بما يجعل من يخالف مثل هذه الإجراءات اللازمة عرضة لعقوبات شبيهة بالعقوبات التي تصدرها الأمم المتحدة على الدول التي تنتهك أنظمتها، أو لو تم الاتفاق على وثيقة شبيهة بالوثيقة الخاصة بمنظمة التجارة العالمية، بحيث تكون هناك إجراءات تجاه من يخالف تعليمات منظمة الصحة العالمية، خصوصا مسألة الشفافية، حيث إن ممارسة بعض الدول في عدم الشفافية مثلا، وذلك كإخفاء مسألة تفشي المرض لديها، كان سببا في انتقاله بين دول العالم، وهذا أحد أهم أسباب تفشي الأمراض، عندما يسافر الفرد من مكان إلى آخر بصورة اعتيادية لينقل المرض إلى الملايين، ودون أن يعلم تتحول مسألة الحد من تفشيه أمرا مستحيلا، كما أنه لا بد أن تكون هناك إجراءات متفقا عليها بين الدول لدعم تلك التي يتفشى فيها، إذ إن مثل هذه الأوبئة عند عدم اتخاذ إجراءات مشتركة، يمكن أن تظهر في العالم كله، فلا يمكن أن يكون هناك نوع من إظهار عدم الاكتراث به إلى أن يكون واقعا في مكان آخر، وهكذا إلى دول العالم كلها، حيث إن المساهمة في القضاء عليه في مكان وجوده أحد أهم أسباب الوقاية منه لدول العالم.

الخلاصة، إن العالم اليوم وعقب اجتماع قمة العشرين أمام تحد كبير في إظهار قدرته على التنسيق والعمل على مواجهة الأزمات المشتركة والقدرة على مواجهتها والحد من انتشارها، فهذه الأوبئة اليوم تحمل مآس قد تكون أشد من الحروب واللجوء والكوارث، وهنا تكون مسألة التنسيق بين دول العالم في مواجهتها أمرا لا مفر منه، ومنظمة الصحة العالمية لديها فرصة تاريخية للوصول إلى بناء ميثاق مشترك بين دول العالم لزيادة قدراتها على مواجهة الأمراض والأوبئة.