مدة القراءة: 10-13 دقيقة


أثارت تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 2 أبريل (نيسان) الحالي الاهتمام الواسع لأسواق النفط. فقد عبّر الرئيس ترمب عن توقعاته وأمله بتخفيض السعودية وروسيا نحو 10 ملايين برميل يومياً - أو حتى 15 مليون برميل يومياً إذا اقتضى الأمر - لتحقيق الاستقرار في الأسواق، مضيفاً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، قد تحادثا هاتفياً. كما وجّه دعوة لرؤساء شركات نفط أميركية كبرى للاجتماع معه يوم الجمعة الماضي.

رد الكرملين بتصريح إعلامي رسمي بأنه لم تجر محادثة هاتفية بين قادة روسيا والسعودية. لكن أعلن الكرملين رسمياً في 31 مارس (آذار) الماضي أن الرئيسين ترمب وبوتين اتفقا في مكالمتهما اليوم السابق (30 مارس) على أن «مستوى الأسعار الحالي ليس من مصلحة البلدين»، كما صرح وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك لوكالة «رويترز»: «روسيا لم تبحث بعد الوضع في سوق النفط مع السعودية، لكنها لا تستبعد ذلك». وأعلن الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي دعوة لاجتماع مجموعة «أوبك بلس» التي تضم 22 دولة من أقطار منظمة «أوبك» ودول مصدرة غير أعضاء في المنظمة، بهدف الوصول إلى اتفاق عادل يعيد التوازن في أسواق النفط. وتزامنت هذه الدعوة مع اتصال هاتفي بين الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي تمت خلاله، حسب البيان الرسمي، مناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، كان من أبرزها أسواق الطاقة في العالم؛ الأمر الذي أثار اهتمام المسؤولين بإيجابية اقتراح عقد اجتماع مجموعة «أوبك بلس»، مع العلم بأن الاتفاق النهائي على التفاصيل لا يزال يتطلب كثيراً من المشاورات والدراسات.

وأعلن الرئيس ترمب أن وزير الطاقة الأميركي سيتابع المحادثات مع نظيره الروسي حول استقرار الأسواق. أثارت مجمل هذه التصريحات تفاؤل الأسواق في بادئ الأمر. وارتفع سعر نفط «برنت» من نحو 20 إلى 30 دولاراً في يوم واحد، لينخفض بعد ساعات معدودة إلى مستوياته المنخفضة ثانية، بعد أن تداولت الأسواق المعطيات في تغريدات ترمب وردود الفعل عليها من قبل الرياض وموسكو؛ إذ لم تصدر أي إشارات لحينه من موسكو والرياض بخصوص معدلات تخفيض الإنتاج التي طرحها الرئيس ترمب.

كان من الصعب في بادئ الأمر أخذ تصريح الرئيس الأميركي بالجدية، خصوصاً عند الكلام عن تخفيض السعودية وروسيا ما بين 10 ملايين و15 مليون برميل يومياً. ما معنى هذا؟ تقليص الإنتاج في الدولتين النفطيتين الكبريين إلى حدود دنيا بحيث ستحتاج الدولتان إلى استيراد النفط لتلبية الاستهلاك الداخلي. طبعاً؛ هذا يعني بالنسبة للدولتين فقدان كثير من الريع النفطي. هذا؛ وناهيك بفقدان الغاز المصاحب. وهذا أمر غير واقعي في كل الأحوال، لكن خصوصاً في الفترة العصيبة هذه، التي تتطلب تلافي المشكلات الاقتصادية العديدة التي تواجه الدولتين كما بقية دول العالم. كما لم تتم الإشارة في التغريدة إلى تخفيض إنتاج دول أخرى.

وبدأ يتضح تدريجياً أن تصريحات الرئيس ترمب تشكل تحدياً كبيراً لصناعة النفط العالمية؛ إذ تنطلق من منظور جديد للنظام النفطي العالمي بعد انهيار الأسعار وقرب توسع الاعتماد على بدائل الطاقة. صدر كلام واسع حول هذا الأمر من قبل النشرات المالية والنفطية المختصة التي تراقب من كثب أخبار الطاقة الأميركية، خصوصاً ما يدور في أروقة واشنطن.

تنطلق فحوى كلام الرئيس ترمب من التحدي المتمثل في ازدياد الفائض النفطي العالمي وشح إمكانية التخزين قريباً. تشير محاضرة ألقاها في 2 أبريل الحالي الخبير النفطي روبرت مكنالاي في «معهد دراسات الطاقة العالمية» في جامعة كولومبيا، إلى أنه توجد حالياً طاقة متوفرة لتخزين 1.5 مليار برميل إضافي فقط؛ منها نحو مليار برميل في خزانات النفط التجاري، والبقية للمخزون الاستراتيجي للدول. في الوقت نفسه، هناك طاقة لتخزين إضافي لنحو 1.5 مليار برميل من المنتجات البترولية.

يضيف مكنالاي أن شهر أبريل الحالي يشكل خطراً كبيراً؛ إذ من المتوقع أن يرتفع معدل الفائض النفطي بسبب الانخفاض الحاد في الطلب والازدياد العالي في الإنتاج، مما سينتج عنه فائض في الإمدادات بنحو 22 مليون برميل يومياً، عمّا كان عليه الفائض في الوقت نفسه من العام الماضي. لذا من المتوقع أن يزداد فائض الإنتاج عن إمكانية التخزين في الأشهر؛ بل الأسابيع المقبلة.
كما تواجه الصناعة النفطية العالمية تحدياً متوسط المدى من قبل الطاقات المستدامة. هذا التحدي كان متوقعاً بحلول منتصف القرن تقريباً. إلا إن نشوب فيروس «كورونا» المستجدّ والكساد الاقتصادي العالمي الذي رافقه، قد سرّعا من آثار هذا التحدي وكيفية التعامل معه. فعدم استقرار أسعار النفط، واتجاهها السريع صعوداً أو انخفاضاً إلى مستويات قصوى، يؤثر سلباً على ثقة المستهلكين بهذه السلعة مقارنة ببدائل الطاقة الأخرى، خصوصاً المستدامة منها.

يواجه الرئيس ترمب استحقاقات سياسية جمّة خلال الأشهر المقبلة. فتفشي الوباء قد أغلق كبرى المدن الأميركية والعاصمة المالية العالمية، نيويورك، وكذلك العاصمة الفيدرالية واشنطن، بالإضافة إلى مدن أميركية أخرى. والتحدي الأكبر هو وتيرة زيادة البطالة التي بلغت، حسب وزارة العمل، نحو 10 ملايين عاطل خلال الأسبوعين الماضيين. كما واجه الرئيس ترمب شكاوى من أعضاء مجلس الشيوخ الجنوبيين من حزبه الجمهوري المتخوفين على مصير شركات النفط الصخري في ولاياتهم؛ إذ إن سعر «برنت» الحالي هو 15 دولاراً أقلّ من تكلفة إنتاج النفط الصخري البالغة نحو 40 دولاراً. تواجه هذه التحديات الرئيس ترمب قبيل الانتخابات الرئاسية في أوائل شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. كما تواجه جميع الدول المصدرة أعباء اقتصادية صعبة بسبب انهيار الأسعار. ففي بعض الدول، المثقلة بجهاز بيروقراطي ضخم، سيكون من الصعب تلافي دفع معاشات الموظفين ورواتب المتقاعدين والعسكريين. هذا طبعاً سيعني إلغاء أو تأجيل كثير من المشاريع الاستثمارية والبنى التحتية.

على ضوء أزمة استمرار وانتشار فيروس «كورونا» المستجد، وما يتبعها من كساد اقتصادي عالمي، يتوقع استمرار انخفاض الطلب على النفط وانخفاض الأسعار. ويتوقع في الوقت نفسه مفاوضات مضنية وشاقة للتوصل إلى حل جذري لمشكلة انهيار الأسعار. ستتخلل هذه الفترة من المفاوضات تذبذبات مستمرة للأسعار حسب انعكاسات الفيروس وانتشاره في الدول، مما يعني استمرار تدهور الأسعار إلى حين القضاء على الفيروس والكساد. كما ستؤثر على الأسعار تقلبات حسب الأخبار والإشاعات حول سير المفاوضات. وبما أن الدول النفطية الكبرى الثلاث مشتركة في وضع الحلول؛ فهذا يعني أن مسؤولية التوصل لحل ستكون مسؤولية «مشاركة» للدول النفطية الكبرى الثلاث (السعودية وروسيا والولايات المتحدة)، وكما هي السوابق في مفاوضات خفض الإنتاج النفطي السابقة؛ يتوقع أن تكون مشاركة هذه الدول الثلاث نسبية، كما هو الأمر مع الدول المصدرة الأخرى. إن المشاركة الأميركية في هذه المفاوضات ومحاولة واشنطن العلنية إيجاد حل لمشكلة تدهور الأسعار يعدّ سابقة مهمة، خصوصاً في حال التوصل إلى حل يجمع موافقة الدول النفطية الكبرى الثلاث مع مجموعة كبيرة من المصدرين الآخرين على تحمل الاعتراف بثلاثة عوامل مهمة: أولاً ضرورة إيجاد حلول مقنعة ذات مصداقية لاستقرار أسواق النفط، خصوصاً لكي يطمئن المستهلك إلى مسألة «الأمن النفطي»؛ الأمر المهم للدول النفطية ذات الاحتياطات الضخمة. ثانياً: أهمية مشاركة الدول النفطية الكبرى الثلاث في تنفيذ الحلول اللازمة لمعالجة حقيقة وجود طاقة إنتاجية فائضة للنفط عالمياً، مما يستوجب إدارة تقليص الإنتاج. ثالثاً: الاعتراف ضمناً بأن النفط سلعة استراتيجية ذات أهمية لجميع دول العالم، وأن الاكتفاء الذاتي لدولة بما يتوفر لديها من احتياطات ضخمة، لا يعني ألبتة عدم الاكتراث لاستقرار الصناعة النفطية في دول العالم الأخرى.