يدور سؤال بعد انقضاء وباء الكورونا هل سوف تتغير موازين القوى وتتحول الصين إلى القوة العظمى الأولى، حيث استطاعت حصر الوباء خصوصا أنها عادت للإنتاج والعمل قياسا بأغلب الدول، وفي المقابل لا يزال الوباء يتفشى في الولايات المتحدة ويحقق معدل وفيات عاليا وشكوكا حول عودة الحياة الاقتصادية في مطلع مايو، لكن برغم كل ذلك الجواب بكل بساطة لن تكون الصين القوة الأولى بل ستبقى الولايات المتحدة.

برغم الأرقام التي تظهر من الصين تشير إلى انخفاض عدد المصابين إلى نحو ألف فقط وعودة استهلاك الفحم بنسبة تعادل 80 % من العام الماضي كمؤشر لعودة الحياة الإنتاجية خصوصا بعد ظهور المؤشر الصناعي الصيني 52 والذي يشير إلى النمو، كل هذه المؤشرات جيدة لكنها لا تعني عودة الصين وتحسن الاقتصاد العالمي.

الاقتصاد الصيني مربوط بنمو وازدهار الاقتصادات المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة، صحيح أنه في العشر السنوات الأخيرة كان نمو الصين يعتمد بشكل كبير على ارتفاع الاستهلاك الداخلي أولًا ثم الاستثمارات الداخلية وظل الميزان التجاري متعادلا، لكن علاقة الصين التجارية ظلت موجبة مع الدول الثرية حتى وصلت في العام 2018 إلى 380 مليار دولار لصالح الصين مع الولايات المتحدة و185 مليارا مع الاتحاد الأوروبي، مما ساعدها على بناء احتياطي نقدي يبقي العملة الصينية تدور في حدود 6 - 7 يوان صيني لكل دولار برغم الإقراض الهائل الصيني للأفراد والشركات المحلية لذلك الصين بحاجة لعودة العالم والولايات المتحدة خصوصًا لعودة انتعاشها والبقاء على حجم ديون محدود تحت السيطرة.

الولايات المتحدة من جهة أخرى والتي يشكل الدولار 45 % من حجم التبادل التجاري العالمي - برغم وزن التجارة الأميركي لا يبلغ 15 % - وانعكست بأن أصبح الدولار 62 % من مجموع الاحتياطيات العالمية (اليوان الصيني لا يصل إلى 2 %) لذلك الدولار هو عملة العالم ولا أحد غير الرئيس الأميركي يوقع على خطة تحفيز بالتريليونات ولا يوجد بنك مركزي ترتفع أصوله من 700 مليار إلى أربعة تريليونات في أشهر غير الفيدرالي الأميركي - خلال الأزمة المالية - ويتوقع بنك أوف أميركا أن يصل إلى تسعة تريليونات خلال الأسابيع القادمة، ويظل يشكل 40 % فقط من الناتج المحلي الأميركي وهو متوسط قريب للدول المتقدمة، لذلك لا نستغرب عدم صدور أي خطة تحفيز صينية حتى الآن، لو نعود للتاريخ كانت نهضة الصين منذ السبيعنات تنال اهتمام ودعم الولايات المتحدة خصوصا أنها كانت ترى في ذلك نقطة جذب لها في ظل الخلاف الصيني السوفيتي خلال الحرب الباردة والتي وصلت للتهديد النووي المتبادل بين الصين وموسكو.

دون الخوض في تفاصيل النظامين من اختلاف لكن لا جدل حول شفافية النظام الأميركي وديناميكيته لمواجهة التغيرات في ظل اقتصاد حر غير موجه، وحتى لو أفلست شركات هو اقتصاد متجدد بخلاف الاقتصاد الصيني الموجه والذي يدعم بعض الصناعات الخاسرة للحفاظ على حد أدنى من حجم العاطلين وإبقاء معدلات النمو عالية، لذلك ستبقى الولايات المتحدة القطب الأوحد متصدرة منطقة اليورو واليابان بكثير بعد هذه الأزمة ويبقى المنافس النشيط (الصين) بعيدا جدا.