تسببت جائحة فيروس كورونا في إغلاق المدارس، والمطاعم، والمكاتب الإدارية، ونقل رئيس الوزراء بوريس جونسون إلى العناية المركزة، ودخول قطاعات كثيرة من اقتصاد المملكة المتحدة إلى حالة من الجمود المعلقة. وعلى الرغم من ذلك، لم يؤدِ كل ذلك إلى حيود المملكة المتحدة عن مسارها بشأن مغادرة الاتحاد الأوروبي.

وأكد وزير الخزانة البريطاني، خلال المؤتمر الصحافي اليومي الذي تعقده المملكة المتحدة، أن الحكومة البريطانية ملتزمة تماماً بالجدول الزمني الحالي فيما يتصل بالمحادثات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، والتي سوف تُستأنف يوم الأربعاء. وفي صورة غرّد بها كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، ميشيل بارنييه، كانت الكراسي الفارغة بين فريقه الخاص بمثابة إشارة تنم عن تغير ما قد حدث في العالم بلا بريكست. ولقد توقفت المحادثات بشأن العلاقات التجارية المستقبلية مع تفشي الوباء الفتاك لدى كلا جانبي التفاوض. وهم يواصلون العمل بالطريقة نفسها التي ندير بها معظم مجريات حياتنا حالياً؛ عن بُعد.

ويبدو كل شيء كأنه حلم غامض يأتينا من حياة أخرى، لكن المملكة المتحدة قد غادرت عضوية الاتحاد الأوروبي بصفة رسمية اعتباراً من يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، ودخلت إلى الفترة الانتقالية حيث لا تزال تتمتع بالوصول الكامل إلى السوق الأوروبية الموحدة حتى نهاية العام الحالي. ووفقاً لشروط صفقة الانفصال، يحق لبريطانيا المطالبة بتمديد الفترة الانتقالية لمدة عام أو عامين، شريطة أن تقدم ذلك الطلب بحلول بداية يوليو (تموز). وإن كانت هناك أي ذريعة لإطلاق هذا التمديد، لكانت أزمة الصحة العامة والأزمة الاقتصادية التي حدثت مرة واحدة في القرن هي نفسها.

ويتوقع صندوق النقد الدولي انخفاضاً بنسبة 6.5 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الحالي (وانخفاضاً بنسبة 7 في المائة من نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي). حتى إن توقعات مكتب مسؤولية الميزانية البريطاني المستقل باتت أكثر قتامة؛ حيث قال إن الاقتصاد قد ينكمش بنسبة 35 في المائة خلال الربع الثاني، وبنسبة 13 في المائة لعام 2020. وإن كان تأثير بريكست طفيفاً مقارنة بصدمة فيروس كورونا، فإن مزيداً من هذا النوع من المآسي يبدو شديد القسوة.

يقول روبرت كين، رئيس جمعية الشحن البريطانية الدولية: «ليست هذه مناقشة بشأن مغادرة عضوية الاتحاد الأوروبي. فلقد انتهينا من هذا وانقضى الأمر. بل إنها مناقشة حول إدارة عملية الانتقال التي لا تتعلق بتحرك نقاط الهدف، وإنما بتحرك الملعب بأسره».

بالإضافة إلى التأثير على الأعمال والشركات التجارية، يبقى سؤال حول ما إذا كانت الحكومة الغارقة في مجريات الاستجابة لفيروس كورونا، قادرة بالفعل على إعادة التفاوض بنجاح في أهم علاقة تجارية بالنسبة لبريطانيا في غضون بضعة شهور. ومن بين 5 جولات للتفاوض مقرر عقدها قبل الاجتماع الكبير بين الأطراف المتنازعة في يونيو (حزيران) المقبل، كان لا بد من إلغاء جولتين منهم بسبب جائحة فيروس كورونا.

حتى مع إبرام الصفقة، سوف تثور شكوك جادة بشأن التنفيذ. فهل يمكن أن تستعد المملكة المتحدة فعلياً بحلول يناير لتطبيق الإجراءات الحدودية المعززة، ونظام الهجرة الجديد، والترتيبات الجمركية، وترتيبات الحدود المعقدة للمحافظة على الحدود المفتوحة بين آيرلندا وآيرلندا الشمالية؟
ومع ذلك، من المرجح أن يستمر جونسون في البقاء ضمن مسار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ حيث لا يوجد ما يمنعه من الاستمرار. فهو يملك أغلبية برلمانية لا يمكن مقاومتها، ومع النواب الحاليين الذي يتعاملون الآن مع الأزمة الراهنة في كل بقعة من بقاع البلاد، ارتفعت شعبية بوريس جونسون لمستويات غير مسبوقة، ولا سيما بعد دخوله العناية المركزة في المستشفى. فإن كان هناك وقت لاتخاذ القرار الذي لا يحظى بالشعبية العالمية، فهو الآن.

ومع احتدام جائحة كورونا، صار جونسون الآن قائداً لزمن الحرب في مواجهة الفيروس. وهو لا يريد الدخول في مناظرات مريرة ومثيرة للانقسام الداخلي حول سبب اضطرار المملكة المتحدة، إلى مواصلة سداد نصيبها من ميزانية الاتحاد الأوروبي «كما سوف تفعل أثناء فترة التمديد المزمعة»، تماماً مع محاولات البلاد التعافي اقتصادياً بعد الجائحة.