إعلان الإفلاس لا يعني - بالضرورة - تصفية أموال التاجر أو الشركة وانتهاء حياتها التجارية، فالتصفية هي المفهوم التقليدي للإفلاس، ولم يعد الأمر منحصرا على ذلك، فنظام الإفلاس السعودي الجديد جاء بثلاثة إجراءات رئيسة للإفلاس، والتصفية هي واحد منها، وأما الإجراءان الآخران فما زالا بحاجة ماسة إلى التوعية بهما، وهما التسوية الوقائية وهو إجراء لا يتطلب وجود أمين بل التاجر يستمر في إدارة تجارته بنفسه، وأما الإجراء الثاني فهو إعادة التنظيم المالي الذي يتطلب وجود أمين لإدارة التزامات التاجر في فترة إعادة التنظيم.

ومن المفترض أن اتخاذ هذين الإجراءين، اللذين جاء بهما نظام الإفلاس يقلل كثيرا من المشكلات بين التجار أمام المحاكم ولا سيما المطالبات المالية، فإعادة التنظيم المالي تعطي التاجر فرصة لإعادة ترتيب نفسه بحماية ومراقبة قضائية ثم يعود التاجر كما كان، ويستطيع التاجر اللجوء إلى هذين الإجراءين متى ما خشي على نفسه التعثر أو تعثر فعلا في أداء التزاماته، فتعلق المحكمة جميع دعاوى وإجراءات المطالبات المالية على الشركة في الفترة المقررة لإجراء الإفلاس بما لا يتجاوز الحد الأعلى المنصوص عليه نظاما، ويمكن للتاجر أو الشركة إعلان إفلاسها وتعليق المطالبات عليها برفع طلب افتتاح أحد إجراءات الإفلاس لدى المحاكم التجارية فهي المختصة بنظر جميع ما يتعلق بتطبيق نظام الإفلاس.

وهذان الإجراءان ما زالا بحاجة إلى ترسيخ مفاهيمهما لدى عموم التجار، فعامة التجار في الولايات المتحدة - مثلا - يفرقون جيدا بين إعلان الإفلاس حسب الفصل السابع وهي التصفية والإفلاس حسب الفصل الحادي عشر حتى الثالث عشر وهي إعادة التنظيم المالي وما بينهما من فرق شاسع، وكذلك الأمر في قوانين الإفلاس في الدول الأخرى، فمتى ما أعلنت شركة إفلاسها فلا يعني ذلك بالضرورة انتهاء حياتها التجارية أو ضعف ائتمانها، بينما مفاهيم الإفلاس لدينا كوسيلة لحماية التجار والشركات ما زالت حديثة، وتحتاج إلى وقت لترسيخها لدى عموم رجال الأعمال.

ولا شك أن الجائحة الحالية فيروس كورونا «كوفيد - 19» وما ترتب عليها من تأثير سلبي في عديد من الشركات هو مبرر تتفهمه المحاكم المختصة لتيسير إجراءات التسوية الوقائية أو إعادة التنظيم المالي، ولا سيما إذا كانت الشركة قادرة على الاستمرار؛ لكنها تحتاج إلى إعادة ترتيب نفسها، فمن المتوقع أن يلجأ عديد من الشركات إلى نظام الإفلاس بسبب تأثير الجائحة، لكن هناك فرقا كبيرا بين اللجوء إلى نظام الإفلاس وقد أفلست الشركة فعلا وتعقدت التزاماتها بسبب تأخر الشركة في التصرف الصحيح في مواجهة هذا الظرف الاستثنائي، فلم يبق أمامها إلا التصفية وبيع أصول التفليسة لعدم إمكانية استمرارها، وبين شركات لديها خطط وإدارة وقائية مفعلة وتستفيد من الطرق النظامية لحماية كيانها.