يتساءل الكثيرون اليوم وليس فقط مشجعو كرة القدم، بل حتى من الفئات السياسية المختلفة، عن الأسباب القابعة خلف الانزعاج القطري الصارخ جدًا من صفقة استحواذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على 80 % من نادي (نيوكاسل يونايتد) لكرة القدم الذي يلعب في الدوري الإنجليزي الممتاز، وذلك ضمن تحالف يضم سيدة الأعمال (أماندا ستيفلي) و(الأخوان روبن).

ما يهمني كمُراقب لخطوط أزمة الدوحة من استحواذ السعودية على النادي البريطاني العريق، هو حالة «الجدل والعويل المصطنع»، ناهيك عن حملة «العلاقات العامة المضادة» التي بدأها مدير مجموعة قنوات بي إن سبورت القطرية، يوسف العبيدلي، بمخاطبة رابطة (البريميرليغ) ورؤساء الأندية هناك، محذّرًا إياهم من حسم الصندوق السعودي لصفقة نيوكاسل، ولكن ما السبب الذي يدفع المسؤولين القطريين إلى التحريض علنًا عبر وكالة الأنباء الرسمية؟.

ما لا يعلمه الكثيرون عن أهمية الصفقة في حال كسبتها السعودية -إن شاء الله- أنه من المتوقع ارتفاع شعبية المملكة لدى نصف سكان الكرة الأرضية، على اعتبار أن 3,2 مليارات متفرج قد شاهدوا عبر التلفاز التنافس المثير بين (ليفربول) و(مانشستر سيتي) على لقب دوري 2019، ويكفي أن نعرف بأن حقوق مشاهدة المباريات تبث في فضاء 188 دولة حول العالم، فما رأيك إذا اقتربنا من نصف هذا الرقم فقط من بين مشجعين يحملون صورًا لسمو الأمير محمد بن سلمان في ملعب (سانت جيمس بارك) الخاص بنيوكاسل. حينها سنعرف لماذا كل هذا العويل والصراخ؟

أظهرت صفقة الاستحواذ، المحاولات القطرية المستميتةُ جدًا، لخديعة الرأي العام بتبريرات حقوقية أقل ما يمكن وصفه عنها بأنها «واهنة»، وخلط للأوراق بطريقة ساذجة، فخلال الأسبوعين المنصرمين وحتى تاريخ كتابة المقال، تتبعت التغطيات الإعلامية خاصة المدعومة قطريًا وهي تحور الأزمة وتسعى لتحويلها من مربع (الرياضة) إلى مربع (السياسة)، وما نجم عن ذلك إدخال الحكومة البريطانية على خط الأزمة، إلا أن الأمر كان صادمًا لهم، بعدم تدخلها في مسار الصفقة، مؤكدين على العلاقة المتينة بين لندن والرياض.

وحينما تم استجواب (أوليفر دودن)، وزير الثقافة، حول هذه المسألة من قبل النائب (جون نيكولسون)، قال الكلمة التي ألهبت صدر وحنق القطريين واللوبيات التابعة لهم بأن ذلك «أمر يخص الدوري الإنكليزي الممتاز وليس داونينغ ستريت (مقر الإقامة الرسمية ومكتب رئيس الوزراء البريطاني).

«مع كل محنة منحة .. ومن المحن تأتى المنح»، هذه العبارة بمفردها درس للمسؤولين القطريين عن إدارة هذا الملف؛ لأن كبريات المؤسسات الصحافية البريطانية التي تناولت الموضوع لم تتحدث عن أي شائبة فساد تطال «صفقة الاستحواذ» المرتقبة، مقارنة بقضايا الفساد التي تلاحق القطريين بدءًا من رشاوى بنك باركليز وبطلها رئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم، أو التهم التي وجهها القضاء السويسري إلى ناصر الخليفي، مستشار أمير قطر ورئيس نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، بشأن حقوق بث الألعاب الأولمبية ومونديال ألعاب القوى لأعوام ومونديال كأس العالم لكرة القدم.

قطر تُحرّض على السعودية بحجة بث الرياض لقنوات boutQ وقرصنتها لقنوات بي إن سبورتس، الأمر الذي ثبت خطؤه لاحقًا بشهادة المحكمين الدوليين القضائيين، ولم تكتفِ بذلك بل وصفت الصفقة بـ «التبييض الرياضي» أو «الغسيل بالرياضة»، وهو مصطلح مستخدم لوصف الدول التي تحاول تطوير سمعتها دوليا من خلال الاستثمار في الفرق الكبرى أو استضافة الأحداث الرياضية المهمة، لتغيير وتحسين النظرة العامة عنها، ومع أن هذا غير صحيح على الإطلاق .. ومع افتراض صحة النظرية التي تروج لها، فلا شك بأنها ستكون أول الساقطين، والشواهد كثيرة إذا أردنا تعريتها.

ما تخشاه الدوحة من استحواذ صندوق الاستثمارات العامة على نيوكاسل، هو منح الرياض نفوذًا قويا في لندن بعد امتلاكها أحد أهم أدوات القوة الناعمة، وهذا ما أشارت إليه دراسة لتجربتي بريطانيا 2012 وألمانيا 2006، أنجزاها أساتذة السياسات الرياضية، (جوناثان جريكس) و(باري هوليهان)، مقدمين نموذجين مختلفين لاستثمار الرياضة كقوة ناعمة، لذا فدخول السعودية إلى «البريميرليغ» سيعزز من حضورها السياسي والاقتصادي والإعلامي وهو ما لا تريده قطر بكل ما تأكيد، خاصة بعد استثماراتها الهائلة في موقعي «ميدل ايست» و«عربي بوست» و«التلفزيون العربي»، ناهيك عن المرتزقة والمعارضين المقيمين في عاصمة الضباب البريطانية، وتكوينها للوبيات الغربية من السياسيين والمشاهير والرياضيين طوال العقدين الماضيين.

في المحصلة النهائية أستطيع تلخيص أهم أبعاد الرهاب القطري من حسم الصفقة لصالح السعودية، والذي سيُمكنها من نقل حقوق مباريات الدوري الإنكليزي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما يمثل ضربة قاصمة قد تنهي عقود عشرات بل مئات الموظفين العاملين في الدوحة من القطريين والأجانب.

والأمر الآخر المهم هو خشيتها من انتهاء عقدها التلفزيوني الموسم المقبل، وعدم قدرتها على مضاعفة مبلغ 650 مليون دولار في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، مع علمها بأن استحواذ السعودية على الصفقة سيجعلها منافسًا قويًا لها، وهي بالطبع لا تريد ذلك بكل تأكيد، لذا تسعى إلى إفشالها بكل الطرق غير المشروعة .. ومهما كان الثمن.