لم يكن هجوم تنظيم داعش الإرهابى على كمين بئر العبد، قبل نحو أسبوع، إلا حلقة فى سلسلة انفراط عقده، ومحاولة يائسة لاستعادة ترتيب صفوفه، بسبب الضربات المكثفة وحملات التمشيط المستمرة التى تقوم بها القوات المسلحة ضد التنظيم الإرهابى فى سيناء، فلم تمضِ أيام قليلة على عملية بئر العبد الخسيسة حتى تلقى الإرهابيون ضربة موجعة أسفرت عن مقتل أكثر من 126 إرهابياً. يعتقد تنظيم داعش أنه ما زال يمتلك القدرة على ممارسة الإرهاب بحرية وتنفيذ عمليات إرهابية ضد الجيش والشرطة والمواطنين، ظناً منه أن انشغال العالم بجائحة كورونا سيجعله أكثر قوة وقدرة على إعادة ترتيب صفوفه وإثبات وجوده، بعد أن خرج تنظيم داعش فى العراق من بابه الكبير، ليعود متسللاً إليه مرة أخرى من نافذة كورونا فى ضوء انشغال العالم قاطبة بهذا الوباء الذى شل قدرته بالكامل، وتراجع اهتماماته وأولوياته مع وجود كورونا، فأصبح القضاء على الفيروس يتصدر أولى الأولويات والاهتمام العالمى.

فمنذ نحو أسبوعين رصدت قوات الأمن العراقى تسلل زعيم داعش الجديد «أبو إبراهيم القرشى» إلى الأراضى العراقية، وباشرت الجهات الأمنية فى تعقب وتحديد موقعه الجغرافى، فيما يحاول التنظيم ترك بصمته لإثبات وجوده، فقام بتنفيذ عدة عمليات إرهابية خلال الأسابيع القليلة الماضية فى العراق، وإن كانت عبارة عن هجمات غير مؤثرة استهدفت نقاطاً عسكرية ومناطق تابعة لعشائر ساعدت القوات العراقية فى الحرب ضده!. وإمعاناً فى لفت الانتباه ضاعف تنظيم داعش الإرهابى هجماته خلال الشهر الماضى ضد قوات الأمن العراقية ومرافق الدولة فى العراق، مستغلاً تفشى جائحة «كوفيد 19» وانسحاب قوات التحالف الدولى والانقسام السياسى الحاد فى العراق، فهل تكون تلك هى البداية لعودة سيناريو عام 2014؟

«داعش» يحاول العودة بقوة من حيث انتهى وجوده فى العراق الذى يُعتبر مهد انتشاره وتفشيه، وبعد تخفيض قوات التحالف الدولى الذى نشر قواته فى العراق عام 2014 وتقوده الولايات المتحدة، أصبح الطريق ممهداً له، خاصة أن القوات العراقية لا تزال غير قادرة على الوصول للمعلومات الاستخباراتية واستخدامها بشكل كافٍ فى شن الغارات ضد تنظيم داعش بمفردها، أو تنفيذ العمليات فى المناطق الوعرة دون مساعدة التحالف الدولى، لمساندة القوات الأمنية المحلية فى قتال الإرهابيين عبر تنفيذ ضربات جوية وتقديم الاستشارة والتدريب، فكلما احتقن الوضع السياسى فى العراق نشط التنظيم بطريقة انتهازية.. بوابة العراق التى يحاول «داعش» التسلل من خلالها مرة أخرى، لن تكون بهذه السهولة، كما أنه لن يستطيع العودة إلى سابق عهده، حين استولى على مساحات شاسعة فى العراق وسوريا، توازى مساحة بريطانيا وتضم حوالى سبعة ملايين نسمة، إذ يرى المختصون بشئون الجماعات الإرهابية فى العراق أن التحول الأخير لا يقارن بذروة نشاط تنظيم داعش عند إعلان ما يسمى بدولة الخلافة، ويؤكد ضابط كبير أن «داعش شن هجمات عدة ناجحة بمستوى منخفض» فى الأسابيع الأخيرة، لكن ذلك لا يمثل زيادة كبيرة، مشيراً إلى أن الأمر لا يقتصر على عدد الهجمات فقط، ولكن على نوعية الهجوم؟ هل هو معقد؟ ما نوع المعدات أو التكتيكات التى استُخدمت؟ مستطرداً: «ما رأيناه كان بدائياً وبسيطاً».

بالنظر إلى ما يحدث فى العراق، فإن «داعش» يحاول جاهداً استنفار قواه الخائرة بعد الضربات المتتالية التى يتلقاها فى العراق وسوريا ومصر، والعمليات الإرهابية الأخيرة التى حاول ترك بصمته عليها فى سيناء ما هى إلا «حلاوة روح»، ولن تعود عملياته الإرهابية بنفس القوة والتكتيك، رغم الانشغال بجائحة كورونا التى تعصف بالعالم كله. قوات الأمن يقظة رغم الوباء والبلاء، والتضحيات على جبهة سيناء مستمرة. قدر مصر أن تحارب على جبهتين: الإرهاب والوباء، فاليقظة الأمنية قادرة على إفشال مخططات الإرهابيين رغم سقوط الشهداء من خيرة الضباط والجنود.