عندما تقوم ببحث على محرك البحث "غوغل" عن فيروس كورونا، تأتي النتائج، على عكس متوسط البحث على المحرك العالمي، من مصادر رسمية كالحكومات والمنظمات غير الحكومية مثل "منظمة الصحة العالمية" ووسائل الإعلام الرئيسية. ولا تتعرض أثناء ذلك لفيضٍ من الإعلانات أو عروض المنتجات، كما قد ينجم عن البحث المعتاد، وستجد صعوبةً في العثور على رابطٍ غير رسمي لمصدر معلومات عن الوباء غير ذي ثقة.

وفي المقابل، تنشر مواقع التواصل الاجتماعي محتوى محترماً يمكن الوثوق فيه، يأتي هو أيضاً من مصادر رسمية مماثلة. فعند فتح تطبيق "إنستغرام" يوجه المحرك المستخدمين في المملكة المتحدة إلى موقع هيئة "خدمات الصحة الوطنية" NHS، والمستخدمين الأميركيين إلى "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" CDC، في الولايات المتحدة.

أما على موقع "پنترست"، فالإيماءات Memes الوحيدة للصور عن وباء كوفيد-19 هي بشكل ملحوظ تلك التي أنشأتها المنظمات الصحية المعروفة دولياً مثل "منظمة الصحة العالمية". وكذلك يوجه "مركز المعلومات" على "فيسبوك" المستخدمين إلى المصادر الرسمية، فيما يفرض تطبيق "واتساپ" المملوك لـ"فيسبوك"، قيوداً جديدةً صارمة على إعادة توجيه الرسائل، في محاولةٍ للحد من انتشار المعلومات الخاطئة.

ويبدو أن محركات البحث ومالكي منصات وسائل التواصل الاجتماعي على حد سواء، هم في سباق نحو أن يصبحوا المصدر الأكثر ثقةً في ما يتعلق بالمعلومات عن الفيروس، لكن من المفارقات أن الهندسة الكاملة لهذه المواقع، تم تصميمها تاريخياً لنشر المعلومات الأكثر شيوعاً بدلاً من الحقيقية.

وسائل التواصل الاجتماعي كانت في السابق المكان المناسب الذي يزدهر فيه العلم الكاذب المتطرف على وجه التحديد، لأنه يعتمد طريقة مختلفة عن تلك التي ينتهجها العلم الدقيق. وإضافةً إلى ذلك، عانى المجتمع العلمي بانتظام من سوء استخدام منهجي ومتعمد لأبحاثه الخاصة على المنصات الاجتماعية، من خلال"البرمجيات التلقائية الروسية" (بوتات الإنترنت)، التي تنشر معلوماتٍ غير علمية على المنصات، وكذلك استخدام متطرفي أقصى اليمين العلوم الكاذبة بلا أي رادعٍ من جانب أصحاب المنصات.

وعلى سبيل المثال، استُخدمت البيانات المُغرضة عن اللقاحات، من قبل منظمات سياسية دولية، للعب على المخاوف العميقة لدى الناس ولإحداث انقسام اجتماعي. وباستخدام الهاشتاغات مثل vaxxed وlearn the risk، نشرت حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الآلية بشكلٍ دوري رسائل استقطابية عبر الأنظمة الأساسية، لجذب الأشخاص تدريجاً نحو محتوى أكثر تطرفاً ضد التطعيم. وعلى الرغم من أنها ما زالت مشكلةً خطيرة إلى حد ما في المملكة المتحدة، فإن الولايات المتحدة وإيطاليا معرضتان بشكلٍ خاص لمشاركة العلوم الزائفة مثل الرسائل المضادة للتلقيح على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو أمر مأسَاوي نظراً إلى كونهما من أكثر الأماكن تأثراً بفيروس كورونا.

ويمكن إدراج مثال آخر في ما يتعلق بالآثار السلبية لإساءة استخدام البحث العلمي، عبر عملية إطلاق النار التي حدثت في كنسية Christchurch في نيوزيلندا في مارس (آذار) الماضي، على يد قاتل نشر بياناً غير مترابط عبر الإنترنت، يشير إلى نظرية مؤامرة في شأن تهديد التعددية الثقافية. ومن الصادم مدى نمو هذه الفكرة التي نشأت في أطراف فرنسا، عبر الإنترنت. وقد تحدث القتلة الجماعيون في ألمانيا والولايات المتحدة على حد سواء عن نظرية "الاستبدال العظيم" هذه، وأشاروا إليها على أنها موثقة أكاديمياً. وباستخدام إحصاءات ديموغرافية مشوهة وإحصاءات مضللة عن جرائم المهاجرين، تمت الإشارة إلى الفكرة التي نشأت قبل نحو 10 أعوام، قرابة مليون و500 ألف مرة عبر الإنترنت، بين أبريل (نيسان) من عام 2012 ومثيله في عام 2019.

وكانت الشهرة والربحية بدلاً من "الحقيقة" تاريخياً، مفتاحاً في قيادة الخوارزميات التي تحدد الكثير من المحتوى الذي نراه على وسائل التواصل الاجتماعي. ويشير الدكتور روبرت إليوت سميث الخبير في الخوارزميات التطورية والزميل الأول في مجال البحوث في"علوم الكومبيوتر في جامعة كوليدج لندن"، ومؤلف كتاب: "سعار في قلب الآلة"Rage Inside the Machine (2019) ، إلى طريقة تصميم المنصات عبر الإنترنت مع وضع هدف الربح في الاعتبار.

ويرى إليوت سميث أن هذا يؤدي غالباً إلى ما يسميه "الفصل الإعلامي" (الصورة النمطية عبر الإنترنت)، ويقول إنه يمكن الاستفادة منه في مختلف المجالات من أجل تعزيز التحيزات القائمة (مثل الخوف من اللقاحات). لهذا السبب، يرى سميث أن الأفكار غير العلمية قد تم ترميزها بشكلٍ عميق في بنيتنا التحتية التكنولوجية، لتتحدى فكرة أن التكنولوجيا هي قوة غير سياسية وغير أخلاقية. ويذكرنا بأن "التكنولوجيا - بما في ذلك وربما بشكل خاص، الحسابات - لا يمكن أن توجد في الفراغ".

وفي سياق مماثل، يشير كارل ميللر، مدير الأبحاث في"قسم تحليل وسائل التواصل الاجتماعي"، في "مركز ديموز للأبحاث"، إلى ظاهرة "محتوى غانغام ستايل"، الذي يصف الاتجاه السابق المعتمد من موقع "يوتيوب" في إبراز المحتوى الشائع المرتبط بما شاهده المستخدم، إلى درجة أن كل شيء تمت مشاهدته على المنصة قد انتهى إلى حد كبير، بالعودة إلى الفيديو الموسيقي الشعبي المعروف بـ "غانغام ستايل".

لمواجهة ذلك، عمل موقع "يوتيوب" على اتخاذ ما يبدو أنه قرار مبتذل، بتقديم مزيدٍ من المحتوى المتخصص المرتبط ببحث معين، الأمر الذي أسهم "في نهاية المطاف في توجيه مقدار كبير من الانتباه إلى جميع الأصوات المستهدفة التي لم تكن تحظى من قبل باهتمام كبير في الصحافة السائدة"، على حد تعبير ميللر.

وأوضح أن "تلك الخطوة أدت فجأة إلى حصول الموقع على ملايين وملايين النقرات"، كما ذكر في بودكاست على موقع "بي بي سي" في يناير (كانون الثاني) الماضي، في إطار تعليقه على تداول معلوماتٍ خاطئة متعلقة بالفيروس المستجد، بما في ذلك المحتوى الضار المحتمل المرتبط باضطرابات تناول الطعام وعقاقير الحمية.

لكن يبقى السؤال: إذا لم تتدخل المنصات الاجتماعية تاريخياً لمنع انتشار المعلومات المضللة، فلماذا تفعل ذلك الآن؟

الإجابة القصيرة والجزئية هي أن المنصات تشعر بأنها يمكن أن تكون أكثر عدوانية بشكل علني، في مكافحة المعلومات المضللة المتعلقة بفيروس كورونا المستجد، من أن تكون عليه في ما يتعلق بتلك المرتبطة بالسياسة. على سبيل المثال، تقول كلير واردل من منظمة "فيرست درافت"، وهي منظمة غير ربحية تلاحق الأخبار الكاذبة: "لا يوجد جانبان في ما يتعلق بالمعلومات الخاصة بفيروس كورونا المستجد، لذلك ليس هنالك أشخاص من جانب آخر يطالبون بالترويج لمعلومة ما، بالطريقة التي يتم التعامل بها مع المعلومات المضللة المتعلقة بالسياسة أو الحملات المناهضة للتلقيح". إضافة إلى ذلك، تجد المنصات الاجتماعية نسبياً أن اختيار مصادر موثوقة مثل "منظمة الصحة العالمية" أمراً أكثر سهولة وصدقية، من دون أن تبدو متحيزة.
لكن الإجابة الطويلة هي أن تلك المنصات لم تتمكن من منع تسرب المعلومات الخاطئة المتعلقة بفيروس كورونا المستجد على الإطلاق. فقد كشفت بعض الأبحاث أن الغالبية العظمى من تلك المعلومات تظهر على شبكة الإنترنت. وفي دراسة حديثة، وجد "معهد رويترز" في أكسفورد أن 88 في المئة من الادعاءات الكاذبة أو المضللة عن الفيروس المستجد، ظهرت على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، مقارنةً بـ 9 في المئة فقط على شاشات التلفزيون أو 8 في المئة في وسائل الإعلام. فليس من المستغرب إذاً أن يجد"مركز بيو للأبحاث" أن ما يقرب من 30 في المئة من البالغين الأميركيين يعتقدون أن كوفيد-19 تم تطويره في المختبر، على الرغم من أن هذه النظرية ليست معتمدة. كما أدت نظريات المؤامرة التي تربط بشكل خاطئ بين تطوير شبكة الجيل الخامس من الاتصالات 5G وانتشار الوباء، إلى ظهور تهديداتٍ ومضايقات وحتى بعض الهجمات بقنابل البنزين.

ربما نعزو بالتالي الكثير من الفضل إلى منصات وسائل التواصل الاجتماعي وسعيها إلى كشف الحقيقة خلال مرحلة تفشي هذا الوباء، بينما يعتمد نظامها الهندسي بأكمله على نسب المشاركة والانتشار أكثر منهما على الدقة. وفيما نجد أنفسنا اليوم في خضم حالةٍ من الطوارئ العالمية، تسارع هذه المنصات إلى أن تكون المرجعية الأكثر استقطاباً للثقة، لكن لا يمكننا إنكار حقيقة أنها السبب الرئيسي وراء انتشار المعلومات الخاطئة.

إذاً، ما الذي يمكننا القيام به لاستعادة الثقة بهذه المنصات، وإنقاذ العلاقة المقطوعة بين المجتمع العلمي و"سيليكون فالي"؟

في الوقت الراهن، يعمل المتخصصون في مجال الصحة على تطوير أنظمة إنذار للإبلاغ عن رموز الهاشتاغات المرتبطة بـ"البرمجيات التلقائية الروسية" وتحديد المجموعات التي تبث النزعة السلبية تجاه العلوم الزائفة المتطرفة التي يمكنها بالتالي التفاعل معها. ومع ذلك، لعل المسؤولية تقع – إن لم يكن على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، أو على الحكومات (على الرغم من أنني متفائل بحذر بأنها قد تساعد في الحالات الأسوأ) – أو على المهنيين الصحيين، فربما على عاتق المستخدمين أنفسهم الذين تسهم بياناتهم بتغذية خوارزميات تلك المنصات.

هانا فراي، مؤلفة كتاب "هلا بالعالم: كيف تكون بشراً في عصر الآلة" Hello World: How to be human in the age of the machine تحذر قائلة: "كلما استخدمنا خوارزمية ما، خصوصاً إذا كانت مجانية، يتعين علينا أن نسأل أنفسنا عن الحوافز الخفية التي تكمن وراءها: ما الذي تفعله هذه الخوارزمية حقاً؟ هل هي وسيلة تجارية وهل أكون مرتاحة في شأنها؟"

ربما تكمن أفضل إجابة في النظر إلى تلك العلاقة على أنها شراكة بين الخوارزميات والقضاة البشريين، يكون فيها رأي المجالس المنظمة التي تتحكم في صناعة البيانات، هو الرأي الفصل، شأنها شأن"إدارة الغذاء والدواء الأميركية" FDA على سبيل المثال.

وكما يقول كارل ميللر إن "هندسة المنصات هي تاريخ من العواقب غير المتعمدة"، فإن الأوبئة أيضاً، لقنتنا بدورها دروساً لم نأخذها في الحسبان، يتمحور أساسها، بحسب الخلاصة التي وصلت إليها، على أن من الأهمية بمكان وجود رغبةٍ حقيقية في بذل الجهود اللازمة لابتكار محتوى أكثر دقة علمياً في المستقبل.