تنص مادة الاستثناءات الأمنية في اتفاقية منظمة التجارة العالمية على “إمكانية اتخاذ الدولة العضو إجراءات تعتبرها ضرورية لحماية مصالحها الأمنية الأساسية في حالة وجود حالة طوارئ في العلاقات الدولية بينهما”.

وهذه المادة هي التي استندت إليها المنظمة في حكمها الذي أصدرته في السادس عشر من يونيو الجاري، عبر فريق تحكيم منازعات منظمة التجارة العالمية بشأن نزاع رفعته قطر حيال تطبيق اتفاقية التجارة المتعلقة بجوانب حقوق الملكية الفكرية (تريبس)، معتبرة أن موقف المملكة العربية السعودية تجاه قطر له ما يبرره لحماية مصالحها الأمنية الأساسية حسب مادة الاستثناءات الأمنية.

وفريق التحكيم هنا أكد على ما ذهبت إليه السعودية ودول الرباعية العربية، من أن قطر قامت بانتهاكات للاتفاقيات الإقليمية والالتزامات بالتخلي عن دعم العنف والاضطرابات في المنطقة، وهو ما حدث خاصة مع ما يسمى زورا بالربيع العربي.

وهي الالتزامات التي أقرت بها قطر بعد سحب السفراء، وقامت بالتوقيع حينها على اتفاق الرياض في 2013 ثم الاتفاق المكمل في 2014 قبل أن تعود وتلتف عليه، ثم ترفض بعد المقاطعة الأخيرة التوقيع على نفس الشروط المرتبطة بشكل رئيسي حول الكف عن دعم الإرهاب، والتدخل في شؤون الدول العربية وزعزعة استقرارها، دعما للأجندات غير العربية الثلاث في المنطقة.

أول حكم قضائي دولي يقر أن إجراءات السعودية المتخذة ضد قطر مبررة لحماية مصالحها الأمنية، فضلًا عن أنه لم يجد أي دلائل حول انطلاق عمليات قرصنة البث من أراضي السعودية

وبالتالي أدرك فريق التحكيم أن المملكة تسعى إلى حماية مواطنيها ومؤسساتها وأراضيها من تهديدات الإرهاب والتطرف التي تثيرها قطر في المنطقة، مستندة إلى أدلة مستفيضة قدمتها المملكة بشأن انتهاكات قطر للاتفاقيات الإقليمية والالتزامات بالتخلي عن دعم العنف والاضطرابات في المنطقة.

ورفض التقرير وجهة نظر قطر تماما بهذا الشأن، بناء على ما وصله من توضيحات سعودية ووثائق مهمة تتعلق بحماية مصالح المملكة الأمنية الأساسية من أخطار سياسات قطر، والتي كانت بحسب لجنة التحكيم كافية ودقيقة.

يأتي إعلان نتائج فريق تحكيم منازعات منظمة التجارة العالمية، مع دخولنا العام الرابع من مقاطعة دول الرباعية العربية، وشكوى دول أخرى غير الرباعية من الأجندة القطرية في تمويل كل المشاريع التي تخدم الخطط التوسعية لإيران ولاحقا تركيا، والتي تسمح أيضا لإسرائيل بقضم المزيد من الأراضي العربية في الضفة الغربية.

فعلى سبيل المثال أبلغ سفير قطر محمد العمادي مؤخرا حماس بموافقة إسرائيل على إدخال خمسين مليون دولار، لا يمكن أن تكون أكثر من التزام قطري بتطويع الملف الفلسطيني لمصلحة الهدف الإستراتيجي الإسرائيلي، وهو تسويق فكرة تفكك الفلسطينيين، وبالتالي القضاء على كل مبادرات السلام العربية، ومن ناحية أخرى المزايدة على دول الاعتدال العربية بأنها من باعت قضية القرن كما تتغنى الجزيرة وأخواتها بذلك.

نذكر من ذلك ما قامت به دوحة أردوغان من التسويق لأن الرياض قدمت جزيل الأموال للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بينما تبين من زيارة تميم بن حمد إلى واشنطن أن قطر عرضت توسيع مدرجات ومقرات قاعدة العديد دون أي مشاركة أميركية، بينما جل الأرقام التي أعلنت خلال الزيارة الأولى للرئيس الأميركي إلى الرياض كانت سابقة لعهده.

تدرك مؤسسات واشنطن أن الرياض شريك إستراتيجي، وهو ربما ما دفع الأمير إلى المغادرة قبل المشاركة في افتتاح مركز مكافحة الإرهاب “اعتدال”، إدراكًا من قطر وشركائها الثلاثة غير العرب لكونهم يمثلون الإرهاب بمختلف صوره، ولو سميت إحدى هذه الدول في عقر الجامعة العربية بالشريفة من قبل مندوب قطر.

قطر منذ المقاطعة الرباعية لم تنفك تتاجر بالشكاوى ضد الرباعية العربية وضد السعودية تحديدا، بحكم أنها الأكبر والأكثر تأثيرا على النظام القطري، وفشلت مختلف الدعاوى عند العديد من الجهات، كما كانت زيارات المسؤولين القطريين بُعيد المقاطعة لعدة عواصم غربية، مدموجة بالعديد من الصفقات التجارية، عسى أن يحول ذلك العواصم الغربية إلى أدوات ضغط على الرياض، وهي الجهود التي باءت جميعها بالفشل، لحقيقة بسيطة هي أن الدوحة تجهل الحجم السياسي للدول أو يدخلها بعض المستشارين في لحظة تجاهل.

فريق التحكيم هنا أكد على ما ذهبت إليه السعودية ودول الرباعية العربية، من أن قطر قامت بانتهاكات للاتفاقيات الإقليمية والالتزامات بالتخلي عن دعم العنف والاضطرابات في المنطقة

اليوم تكمن أهمية الحكم الصادر عن منظمة التجارة العالمية في كونه أول حكم قضائي دولي يقر أن إجراءات السعودية المتخذة ضد قطر مبررة لحماية مصالحها الأمنية، فضلًا عن أنه لم يجد أي دلائل حول انطلاق عمليات قرصنة البث من أراضي السعودية، والتي زعمت منذ البداية وحتى اليوم أن أزمة المقاطعة تختزل في اختراق وهمي لوكالة الأنباء القطرية والتي نشرت خطابا مسيئا للمملكة تحديدا مع انطلاق الأزمة، وكانت الدوحة أنكرته في البداية إلا أنه تبين أن الإنكار ناتج عن المقاطعة وليس حقيقيا.

كما أن الحكم لصالح السعودية في قضية حقوق الملكية الفكرية ورفض ادعاءات قطر، يعكس قوة ومتانة التشريعات السعودية والتقدير الدولي الكبير الذي تحظى به في المحافل الدولية، وأنها دولة مؤسسات ملتزمة بتنفيذ الأنظمة دون مصادرة حقها في اتخاذ أي إجراءات لحماية أمنها ومصالحها تجاه من يهددها.

ختاما نجد أن العديد من الشكاوى القطرية للمنظمات الدولية، والصفقات التجارية مع العواصم الغربية بدعوى البحث عن قوى داعمة ضد الرباعية، والتي انتهت بدعم أنقرة وطهران فقط، وبئس الداعمين، إنما تشير إلى سوء التقدير القطري على المدى الإستراتيجي، فقد راهنت على الدول التي تنهار اقتصادياتها يوما بعد يوم، والتي لا يمكن أن تدعم الدوحة دون تغلغل في خزائن الدوحة وقرارها السياسي.