بيروت: لا شك أن المقابلة التي خص رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، القبس بها كانت شاملة وتطرق فيها الى جملة عناوين مهمة ومواقف جديدة. لكن المسألة المتصلة بإعلانه أنه ربما أخطأ بترشيح العماد ميشال عون أحدثت عاصفة من الردود وأثارت ما أثارته من مواقف على ضفتي الموالاة والمعارضة.

القبس استطلعت مجموعة من أبرز الكتاب الصحافيين والمحللين لمعرفة رأيهم فيما يتعلق بمواقف جعجع التي اعلنها وأسباب الضجة المثارة حولها.

بشارة: تأكيد المؤكد

اسعد بشارة

الكاتب الصحافي أسعد بشارة اعتبر ما جاء في مقابلة جعجع لـ القبس يعكس بوضوح واقع الحال في لبنان. فأن يقال هذا الكلام على لسان أحد المشاركين في التسوية الرئاسية فهذا يعني أن هذه التسوية كانت كارثية على لبنان، إذ إنها كرست سيطرة حزب الله على الدولة من أعلى الهرم إلى تشكيل الحكومتين المتعاقبتين في عهد الرئيس عون إلى قانون الانتخاب والمجلس النيابي الذي انبثق عنه والذي أفرز أكثرية لحزب الله وحلفائه، ما مكّنه من السيطرة بالكامل على قرار الدولة.

وفيما يتعلق بكلام جعجع عن أنه «ربما أخطأ بانتخاب عون رئيسا» فهو تأكيد للمؤكد. أي عاقل ما كان ليشك أن لبنان سيصبح دولة فاشلة في عهد عون. فالطائفية ارتفع منسوبها والاقتصاد وصل إلى الحضيض بفعل تقاسم القوى السياسية مقدرات الدولة وسيادة لبنان أصبحت في خبر كان بعدما اصبح في الحضن الإيراني بتوقيع من رئيس الجمهورية الذي انتخبته الكتل النيابية، ومنها تلك التي كانت منضوية في «14 آذار».

المطلوب اليوم بعد جردة الحساب هذه، وفق بشارة، أن يعاد النظر بكل هذه السياسات، اذ لم يعد من المجدي المهادنة مع العهد، ولا السكوت عن سلاح حزب الله، والتزام الصمت ازاء انهيار الدولة. دعم قوى التغيير لدى اللبنانيين، والتزام لبنان بالدستور وبالشرعية العربية والدولية سيسمح بإخراجه من السجن الايراني، وإلا فلبنان سائر نحو مزيد من الافلاس والانهيار بما لا يمكن اصلاحه.

جبور: معادلات مستحيلة

شارل جبور

رئيس جهاز الاعلام في القوات البنانية شارل جبور اعتبر ان اللبنانيين توقفوا عند مسألة انتخاب عون بالرغم من ان كل المواقف الأخرى التي اطلقها جعجع لا تقل اهمية عنها، ولكن لأن مسألة عون اشكالية بحد ذاتها فقد أثارت ما اثارته. ولفت جبور الى ان المقابلة الصحافية تختلف عن المقابلات التلفزيونية لجهة أن الشخص المحاوَر يضطر لتلخيص أفكاره بشكل مقتضب لا يتيح له اعطاء الموضوع ما يستحق من شرح واف.

يلفت جبور ان «الحكيم» هو أحد السياسيين القلة الذين يتمتعون بخلفية فكرية وهذا ما يميزه عن الطبقة السياسية، وهو عندما سأل «هل الفراغ افضل من انتخاب رئيس» كان يطرح الامر من هذه الزاوية. ويضيف «هذه المسألة نملك حيالها فلسفة متكاملة في القوات اللبنانية لجهة التمييز بين ظروف الانتخاب ونتائج الانتخاب، نحن لسنا مسؤولين عن النتيجة التي وصل اليها العهد.

ويشدد جبور على ان القوات وضعت آنذاك امام معادلات مستحيلة تعاملت معها بالشكل الذي حصل. و«بالتالي لو عدنا الى الظروف نفسها لعدنا الى الخيار نفسه». فعندما ترشح جعجع للرئاسة كان هدفه من هذا الترشيح الامساك بالمبادرة الرئاسية، منعا لانتخاب رئيس من خارج اطار التوجهات المطلوبة، ولكن مجموعة عوامل أخرجت المبادرة من يديه، منها ترشيح سعد الحريري لزعيم المردة سليمان فرنجية. وبالتالي من يتحمل المسؤولية ليس جعجع، بل من انتزع المبادرة من يده. ويختم قائلا «لا يمكن تقييم أي محطة إلا بالعودة الى ظروفها».

ضو: لمعارضة وطنية

نوفل ضو

منسق «التجمع من أجل السيادة» نوفل ضو يقول لـ القبس إن إعادة جعجع النظر في خياراته المتعلقة بانتخاب ميشال عون لرئاسة الجمهورية مؤشر إيجابي، لكنه في حاجة الى خطوات عملية، أبعد من أعادة قراءة، تصحح التداعيات السياسية لهذا الخطأ التاريخي من خلال:

1- إعادة النظر بأركان تسوية انتخاب عون رئيساً وأبرزها إعادة الاعتبار لأولوية نزع سلاح حزب الله وتطبيق قرارات مجلس الأمن والدستور اللبناني في هذا المجال.

2- أشار جعجع الى أن «حزب الله» هو من أسس للقطيعة مع العرب. وهذا وجه من الحقيقة. أما الوجه الآخر من الحقيقة فهو أن القطيعة مع العرب ساهم فيها لخطأ في الحسابات السياسية كل من تسبّب في وضع «حزب الله» يده على القرارات الاستراتيجية للدولة اللبنانية عبر إيصال عون ـــــ مرشح «حزب الله» الوحيد وخياره الاستراتيجي للرئاسة ـــــ وقانون الانتخابات النيابية اللذين سلّما رئاسة الجمهورية والاكثرية النيابية للمرة الأولى منذ عام 2005 لـ«حزب الله»، في مقابل المحاصصة في الدولة.

3- إن نظرية الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي التي تذرّع بها أركان منظومة التسوية لتبرير ما أقدموا عليه أثبتت فشلها، كما فشلت نظرية إقامة التوازن مع الثنائية الشيعية، من خلال ثنائية مسيحية في السلطة، تلغي التعددية والمعارضة، ما أدى الى تسليم لبنان لـ«حزب الله» وعزله عربياً ودولياً وتهديد وجودي لهويته.

4- إن تصحيح الواقع يكون بالتخلّي عن هذه التسويات وأوهام الثنائيات الطائفية والعودة الى منطق المعارضة الوطنية التعددية الذي حافظت على شعلته حفنة من السياسيين المستقلين والقيادات الحزبية وقادة الرأي، والتوقّف عن محاولات عزل هؤلاء ومصادرة دورهم وترهيبهم فكرياً وتسخيف خياراتهم.

الربيع: أكثر تناغماً مع المرحلة

منير الربيع

المحلل السياسي منير الربيع يعتبر ان مواقف جعجع التي اطلقها من عبر القبس هي في اطار مراجعة ذاتية لكل الخيارات السابقة، خصوصاً انه كان من أكثر المستهدفين من العهد الذي كان هو أحد صانعيه. ويرى الربيع ان جعجع حقّق مكتسبات من مجيء عون، رغم الخسارات التي منها، فهو نزع عنه كل الصبغة الميليشوية من خلال المصالحة المسيحية والسير بانتخاب عون، كما اثبت قدرته على التنازل عن طموحاته الرئاسية إذا اقتضى الامر.

ويرى الربيع أن هذه المراجعة بمجرد قوله «ربما أخطأنا» تتخطّى التفاصيل اللبنانية، وتتناغم مع تطورات المرحلة الحالية، لا سيما في لجهة انعكاسها على الوضع المسيحي. وبالتالي، سيعمل جعجع من الآن وصاعداً فك العزلة التي يشعر بها، من خلال الانفتاح على كل القوى، وهو أثبت من خلال مشاركته في لقاء بعبدا الأخير، وحيدا من دون سائر قوى المعارضة، ثباته على مواقفه وقول ما يريد قوله من اي مكان.

اما المعركة الأساسية التي يخوضها جعجع، وفق الربيع، فهي معركة انعكاس التطورات الخارجية على الداخل اللبناني، والارباك الذي يشعر فيه عون وباسيل جراء تحالفهما مع «حزب الله» وعلاقتهما مع النظام السوري بعد قانون قيصر والضغوط الاميركية. وبالتالي، فإن جعجع هو الاكثر تماهياً مع هذه التطورات، سواء بعلاقاته الجيدة مع القوى او بمواقفه الثابتة، والتي سيعمل على استثمارها مسيحياً، لا سيما أن شعبية باسيل في طور التراجع.

إيلي الحاج: أخطأتم.. والآن ما العمل؟

إيلي الحاج

في مقاربة شاملة لمواقف جعجع، يقول الكاتب الصحافي ايلي الحاج لـ القبس: لا أحد يعرف ميشال عون بقدر سمير جعجع. رغم ذلك دعم ترشيحه للرئاسة، متخطياً تجربة سابقة سيئة معه، قطعاً للطريق على المرشح الآخر سليمان فرنجية الذي دعمه في ٢٠١٦ حليفا جعجع السابقان، سعد الحريري ووليد جنبلاط.

ويبدي الحاج اعتقاده ان رئيس حزب «القوات» اعتقد أن فرنجية سوف يُنتخب رئيساً، خصوصاً بعدما اتصل به الرئيس الفرنسي آنذاك فرنسوا هولاند. وتبيّن لاحقاً أن فرنجية لا يجرؤ حتى على الحضور إلى جلسة في البرلمان للتصويت لنفسه من دون موافقة حسن نصرالله، الذي كان أخبر اللبنانيين مراراً أن على نوابهم التوجّه إلى المجلس النيابي وانتخاب ميشال عون، لا أحد غيره، إذا كانوا يريدون رئيساً.

دام الفراغ الرئاسي نحواً من سنتين ونصف السنة. وكان البطريرك الماروني بشارة الراعي ضيّق الخيارات عندما عقد اجتماعاً لقادة الأحزاب الأكبر لدى المسيحيين، عون وجعجع وأمين الجميّل وفرنجية، ودعاهم إلى الاتفاق على أن يكون أحدهم رئيساً. فصارت الترشيحات محصورة بهم.

وبعد عشرات من الجلسات لم يكتمل فيها نصاب الثلثين للانتخاب، أيقن الجميع أن حظ جعجع معدوم وكذلك الجميّل. وأن اكتمال النصاب يقتضي انتخاب مرشح الحزب، أو من يرضى عنه الحزب.

ووفق الحاج، فإن الرئيس سعد الحريري، وبسبب أوضاعه غير المريحة، سواء في السعودية أو لبنان، كان مستعجلاً العودة إلى رئاسة الحكومة وإنهاء الفراغ، وعلى هذا الأساس عقد «تسوية» مع فرنجية. لكن جعجع سارع في المقابل إلى عقد «تسوية» مع عون، ضمّنها اتفاقاً سرّياً، وقّعه وجبران باسيل على تقاسم بينهما للمناصب والمواقع التي هي من حصة المسيحيين في الدولة، ولم يُعلن هذا الاتفاق إلا بعدما دبّ الخلاف بين «القوات» و«التيار العوني».

الرئيس الأقوى في طائفته

وقال الحاج إن إعلام حزب «القوات» راح ينشر فوائد نظرية «الرئيس الأقوى في طائفته» على قاعدة أن الأقوى عند المسيحيين بعد عون هو جعجع. وبالتالي سيكون خليفته في قصر بعبدا، ولم يخطر ببال جعجع وأنصاره، أن لعون تفسيره الذي سيقول إن الأقوى بين المسيحيين من بعده هو جبران باسيل، مشيراً إلى ان «التسوية» التي انضم إليها الحريري وجنبلاط لاحقا قامت على اعتبار سلاح «حزب الله» موضوعاً دولياً وإقليمياً يقتضي عدم التطرّق إليه بين اللبنانيين الذين لا يملكون له حلاً، وعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، وأن يكون رئيس الجمهورية فوق الجميع، ولا يبقى مصطفاً في خط «حزب الله».

ووصف جعجع عون بأنه «تايواني»، أي تقليد في حديث له عن انتماء مرشحه إلى «قوى ٨ آذار»، في حين وصف فرنجية بأنه «أصلي» في انتمائه إلى التحالف الذي يقوده «حزب الله».

هادن الثلاثة، الحريري وجعجع، وجنبلاط، «حزب الله»، لكنهم اختلفوا على الموقف من باسيل وطموحاته الحالية والمستقبلية. إلى أن التقوا في هذه المرحلة على خصومة سياسية معه. وعلى هذا الأساس عقد جعجع مصالحة مع فرنجية.

ويرى الحاج ان جعجع قد يكون على حق في تصريحه لـ القبس بـ «ربما أخطأنا في انتخاب عون رئيساً»، لكن الأكيد أنه أخطأ كثيراً بتوقعه أن يصدق معه عون ـــــ وأن يلتزم باسيل توقيعه ـــــ وهو من يعرف عون جيداً وأنه وصهره الوزير السابق شخص واحد. وأيضاً أخطأ جعجع بالتأكيد وكثيراً بعدم احتفاظه بحليف أو صديق له بعدما خوّن مباشرة وعبر إعلام حزبه من لم يوافقوه على خياره تأييد عون والتحالف معه. والأسوأ سؤاله عن أوزانهم وأحجامهم ومن يكونون. ولعلّه استند في ذلك إلى دراسة قالت إن شعبية عون و«القوات» توازي ٨٦ في المئة. لم يخطر ببال الرجل أن عون وباسيل سيحسبان هذه المعادلة على أنها ٨٠ في المئة «تيار» و٦ في المئة فقط «قوات».

ويختم الحاج انه يتوجب الانتظار لمعرفة ما الذي تغيّر خلال أقل من شهر على طاولة حسابات «الحكيم» ـــــ كما يسميه أنصاره ـــــ ففي 27 أبريل الماضي قال من شاشة «العربية» إنّه «غير نادم ولا لحظة على ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة» وبعد «ربما»، لا بد أن الحريري وجعجع وجنبلاط يسألون أنفسهم، وقد بلغ لبنان كدولة حافة الإفلاس: «والآن ما العمل؟».