من هذا الفتى البحار الذي تحتفي «غوغل» بذكرى ميلاده؟ أنقر على الصورة فتخبرني الموسوعة الإلكترونية بأنها جان باريت، فتاة وليست فتى كما يبدو من ثيابها. وهي قد تنكرت بزي رجل لكي تركب البحر. أول امرأة تقوم بجولة حول العالم. هل كان التنكّر للأنوثة قدر الطموحات من النساء؟ فعلتها المغنية العراقية مسعودة العمارتلية حين أرادت الغناء في الأرياف المجاورة لمسقط رأسها. ارتدت الشماغ والعقال وصار اسمها مسعود. ومثلها فعلت أم كلثوم في بداية مسيرتها. استرجلت قبل أن تصبح الأسطورة التي نعرف.
ولدت جان باريت قبل 240 عاماً في أرياف «بورغوني». ريف كاثوليكي محافظ إلى الشرق من فرنسا. كانت فتاة فقيرة تولعت بالطبيعة منذ الصغر. حين بلغت العشرين ذهبت لتشتغل مديرة لمنزل الطبيب وعالم النبات فيلبير كوميرسون. تركت المكنسة وتسللت من المطبخ وراحت تراقب مخدومها. تجمع له الأعشاب البرية وتساعده في دراسة أنواع الزهر. تعلّمت منه كيف تميّز بين البنفسج والليلك. بين الورد والجوري. بين الفل والياسمين. وكان عليها أن تتولى تصنيف النباتات وتبويبها حسب فصائلها وألوانها. صارت خبيرة في قطف الأعشاب وتجفيفها وأسرار استخدامها للأغراض الطبية. وكان لا بد مما ليس منه بدّ. أحبت مخدومها وأحبها. حملت منه فقامت عليها قيامة المجتمع المتدين. انتقلا إلى العاصمة ووضعت طفلاً فقدته وهو رضيع.
في باريس حصل كوميرسون على فرصة ذهبية. سيرافق الكونت والرحالة الشهير بوغنفيل في جولة استكشافية حول العالم. وستكون مهمته جمع النباتات الغريبة، بينما يهتم ربّ الرحلة بشؤون الشعوب والقبائل وعاداتها ولغاتها وأزيائها. هل تترك جان أستاذها وحبيبها يسافر من دونها؟ كانت الأوامر الملكية تمنع النساء من ركوب السفن. لكن جموحها لم يعترف بالأوامر. قصت شعرها وأخفت صدرها وراء أحزمة عريضة وارتدت البنطلون. وفي الأول من فبراير (شباط) 1767 انطلقت السفينة «ليتوال» من ميناء روشفور وعلى متنها جان باريت، مساعد الدكتور العشّاب كوميرسون. ظنّ البحارة أنها شاب مخنث وأسمعوها تعليقات جارحة. ولكي تقطع الألسنة الخبيثة تفانت في أعمال الملاحة، تنشر الأشرعة معهم وتعيد طيّها. كتب عنها بوغنفيل في مذكراته: «كانت من القوة والشجاعة بحيث إنها استحقت لقب الحمار الكادح».
رست السفينة في العديد من موانئ القارة الأميركية الجديدة. مرض شريكها فتولت جان المهمة عنه. تترك المرفأ وتتوغل في الغابات. تبحث عن الغريب من الأزهار والأعشاب. تعثر في حقول ريو دي جانيرو على نبتة مدهشة غير معروفة، ستحمل اسم «بوغنفيلييه» تيمناً بقائد الرحلة. كانت قد نجحت طوال سنتين في تمويه هويتها وخداع طاقم السفينة، لكن أهالي تاهيتي اكتشفوا أنها امرأة وأرادوا الاحتفاء بها حسب تقاليد جزيرتهم. كتب قائد الرحلة أن محنتها بدأت وكانت مع بحارة سفينتها واضطرت للتسلح بمسدسين لصدّ تحرشاتهم.
وصلت السفينة إلى «جزيرة فرنسا» التي تعرف اليوم باسم «الريونيون». قررت جان الاستقرار فيها مع أستاذها وشريكها. ومن هناك كانت ترسل إلى باريس صناديق اشتملت على آلاف العينات من نباتات مجهولة في فرنسا. وبفضلها تم اكتشاف 3 آلاف نبتة جديدة. كان حبيبها مريضاً ومات هناك. ترك لها في وصيته شقته وما يملك من مدخرات. عادت إلى البلاد وتقدم بوغنفيل بطلب لكي تحصل على مرتب من الملك. وهو ما وافق عليه لويس السادس عشر. وبعد 200 عام، في 2012. أطلق اسم جان باريت على فصيلة من نبات متسلق يحمل أزهاراً بقلب أزرق.