لم يمثِّل الكذبُ معصية، أو سوء خُلق عند قادة الثورة الإيرانية 1979، بل كان «الكذب» هو سلاح الدمار الشامل الذي استخدمه الثوار المتأسلمون، ولسوء حظ الشعب الإيراني، فإن نجاح الثوار الكاذبين قد أنهى حقبة من الأخطاء العادية لتبدأ حقبة من الأخطاء الكارثية، كما أنها أنهتْ احتمالات المستقبل، بعد أن عاد البلد المهم مئات السنين إلى الوراء.

لم يكن الشاه محمد رضا بهلوي بالحاكم النموذجي، لكن الذين جاؤوا من بعده جعلوا الإيرانيين يتمنون عودة الشاه، والاعتذار بين يديه.

لم تكن الثورة الإيرانية 1979 ثورة وطنيّة، بل كانت رؤية غربية خالصة، تمت الإطاحة باليسار الإيراني ودعم اليمين الديني، ثم تم التفاهم بين الغرب والجيش وسط حملة غربية منظمة جعلت من الشاه «الملك الحداثي» رمزاً للعمالة والديكتاتورية، ومن الخميني «الولي الفقيه» رمزاً للاستقلال والحرية!

راح الإعلام «الشيعي» و«الإخواني» و«اللبناني» ومعه بعض كبار الكتّاب المرتبكين فكرياً يلصقون كل سوء بالشاه ونظامه، وينسبون كل أملٍ إلى الخميني ومشروعه، وبدورها راحتْ صحف لبنان الموالية للنظام الإيراني الجديد تهاجم الرئيس أنور السادات، ثم تشمت في استشهاده، وتفتح أبواب العالم العربي لـ«النجم الجديد» الذي جاء على طائرةٍ أوروبية، وفي حراسة غربية، لينقذ الإسلام والمسلمين!

في كتابي «الجهاد ضد الجهاد» عرضت جانباً لما وصفته بـ«حرب أعداد الشهداء» التي نجح فيها الخميني وثوّاره، وكنتُ أعني بذلك الكذب المخطِّط في تقدير أعداد «الشهداء الثوار»، من أجل كسب استعطاف الرأي العام، وتدمير سمعة الشاه كديكتاتور دموي يقتل الشعب.

كانت أول معارك «حرب الشهداء» هى إعلان «الخميني» أن عدد الشهداء في النضال ضد الشاه من عام 1963 حتى عام 1979 وصل إلى أكثر من 60 ألف شهيد.

لم يكن لدى أنصار «الخميني» ما يوثِّق هذه الأرقام.. لكن دراسات جادّة قالت إن أنصار «الخميني» ضاعفوا أرقام الشهداء 20 مرة!

وحسب الباحث «عماد الدين باغي» الباحث في مؤسسة الشهداء الإيرانية، فإن عدد الضحايا في الفترة المذكورة كان (3164) قتيلاً.

يذكر الباحثون تفاصيل أخرى في «حرب الأَعداد».. من بينها التقديرات بشأن مظاهرة 9 يناير 1978 في مدينة قُم، وهي أولى المظاهرات الضخمة في الثورة الإيرانية.. وقد أسفرت عن سقوط ضحايا.

أعلن أنصار «الخميني» أن عدد الضحايا يزيد على (300) قتيل، وهو ما أثار الرأي العام ضد الشاه.. لكن «مركز وثائق الثورة الإسلامية» قدّر في تقريره الذي أصدره عام 2004 عدد الضحايا بخمسة فقط من القتلى!

وفي مظاهرة 18 فبراير 1978 والتي وقعتْ بعد أربعين يوماً من المظاهرة الأولى.. أعلن أنصار «الخميني» أن عدد الضحايا 500 قتيل، ولكن مركز الوثائق عاد وقدّرها في التقرير ذاته عام 2004 بثلاثة عشر قتيلاً.

لقد كان هذا هو جوهر ما جرى: الكذب بشأن كل شيء، من أجل الوصول إلى السلطة وصناعة الكراهية.. وللأرقام بقية.