عندما أُعلن عن قيام علاقات دبلوماسية بين أبوظبي وتل أبيب، توالت ردود الفعل العربية والدولية عن اتفاقية السلام هذه، إلا أن رد الفعل اللافت فعلاً صدر من الجانب الفلسطيني، رسمياً وشعبياً. كان رداً هجومياً عدوانياً من قبل مكونات الدولة الفلسطينية، وغير دبلوماسي على الإطلاق من القيادة الفلسطينية. ما يهمنا هنا أن ردة الفعل الغاضبة أرسلت رسالة بأن الإمارات كانت محقة في قرارها السيادي بالبحث عن رؤيتها الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط، بعد أن ووجهت مواقفها خلال أكثر من خمسة عقود بالجحود والنكران، واليوم والبحرين تفعلها مجدداً فإن ردة الفعل العدوانية نفسها تتكرر من المكونات والقيادة الفلسطينية ضد البحرين.
الحقيقة التي ينبغي على العدوانيين مواجهتها، أن الزمن لن يعود إلى الوراء، بقدر أن الهجوم المحموم على اتفاقية السلام البحرينية الإسرائيلية الجديدة يؤكد، ليس للبحرين فقط؛ بل لبقية الشعوب الخليجية على وجه الخصوص، أن تأييد القضية عقوداً طويلة لم يثمر إلا عدوانية وهجوماً وجحوداً، وأن هناك أكثر من طريق للسلام، ليس شرطاً أن يكون من بوابة السلطة الفلسطينية التي هي نفسها من أوائل من أقام علاقات مع إسرائيل، ثم تأتي الآن لتعتبر ذلك طعناً وغدراً للقضية، فقط لأنه لا يأتي على هواها ولا رغباتها.
عندما واجهت البحرين أخطر أحداث مرت في تاريخها المعاصر عام 2011، ومساعي ركوب موجة الربيع العربي بالثورة والمطالبة بإسقاط النظام، ظهرت المواقف الحقيقية، وكلٌّ أثبت معدنه، حينها كانت إيران الدولة التي وقفت وراء تلك المحاولة الانقلابية تمويلاً وتخطيطاً، وكان زعماء «حماس» والمكونات الفلسطينية لا يتوقفون عن تعزيز علاقتهم بإيران ومواصلة زيارتهم لطهران بلا خجل أو وجل، وبينما البحرين شهدت خلال تاريخها مئات المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية، لم تخرج مظاهرة فلسطينية واحدة دعماً للبحرين في وجه من أرادوا إسقاط بلادهم. أفبعد هذا كله لا يحق للبحرين أن تبحث عن مصالحها أمام كل من تخلى عنها، وتمضي في رؤيتها للسلام بالمنطقة وفق منظورها؟
غني عن القول إن العلاقة مع تل أبيب بالنسبة للمنامة ليست موجهة ضد الفلسطينيين، بقدر ما هي ضرورة اقتضتها ظروف المرحلة وبحث الدول عن السلام والاستقرار بالمنطقة.
أتفق تماماً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في تصريحه عندما قال: «لا يحق للإمارات أو أي جهة أخرى التحدث بالنيابة عن الشعب الفلسطيني. ولا تسمح القيادة لأي أحدٍ كان بالتدخل في الشأن الفلسطيني أو التقرير بالنيابة عنه في حقوقه المشروعة في وطنه»، وهو بالمناسبة تصريح سيتكرر مع البحرين، إلا أن الرد الطبيعي، بالمقابل: لماذا يحق للقيادة الفلسطينية التحدث بالنيابة عن الشعب الإماراتي أو البحريني، ومنعه من اتخاذ القرارات السيادية التي تتواءم مع مصالحه؟!
بكل تأكيد سيتكرر السيناريو، وستدعو السلطة الفلسطينية إلى اجتماع لجامعة الدول العربية إثر قيام علاقات إسرائيلية بحرينية، وهو ما يمكن اعتباره دعوة بلا أساس؛ حيث إن تطبيع العلاقات بين الدولتين يبقى حقاً سيادياً خاصاً بهما، وهو شأن لا يحق لجامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات التدخل فيه. للأسف ليس أمام السلطة الفلسطينية إلا القبول بالوقائع الإقليمية المحيطة بها، والتعاطي معها بدلاً من رفضها، أو على الأقل التوقف عن العدوانية تجاهها.
بالطبع وكالعادة، سيُحرق العلم البحريني وصور القيادة البحرينية. سيُشتم البحرينيون. ولا مانع من ضم الخليجيين معهم أيضاً. ستتواصل العدوانية، وليس العقلانية، في الرد على قرار سيادي لا ينازع البحرين فيه أحد، ثم ستجف الأقلام وتطوى الصحف، وستبقى ردة الفعل هذه إثباتاً أن الدول تأخرت في البحث عن طريقها للوصول للسلام المنشود، بدلاً من أن تضيع عقوداً من الولاء لقضية أضر بها أصحابها أكثر من الآخرين.
- آخر تحديث :
التعليقات