ازدادت حدة الانقسامات والخلافات في الشارع العربي حول قضيتين، هما: التطبيع والسلام مع إسرائيل، وهناك من يعتقد أن الفارق بينهما كبير، لأن التطبيع بلا سلام لا يعني شيئاً والسلام له شروطه، التي من أهمها: عودة حقوق الشعب الفلسطيني بما في ذلك إقامة دولته في حدود 1967، وعودة المهاجرين والقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين.. هذا هو السلام الذي يريده الشارع العربي، ولا تقبله إسرائيل.

أما التطبيع فهو قضية أخرى وهو يتناسب مع مطالب إسرائيل وأطماعها.. إنها تريد أن تحصل على كل شيء دون أن تتنازل عن أي شيء، إنها تريد القدس والجولان ولن تسمح بإقامة دولة فلسطينية، وهي تريد علاقات سياسية واقتصادية وثقافية مع كل الشعوب العربية دون أن تلتزم بشيء، إن الشيء المؤكد أن إسرائيل قد نجحت في تقسيم الشارع العربي بين دعاة للسلام دون مقابل ودعاة للتطبيع بالشعارات، وهي في الحالتين أخذت ما أرادت دون أن يأخذ الفلسطينيون أي شيء.

لقد نجحت إسرائيل في إشعال الفتنة في الشارع العربي بين دعاة التطبيع ودعاة السلام، وكلاهما لن يحصل على شيء. في يوم من الأيام انقسم الفلسطينيون على أنفسهم بين السلام والمقاومة، وذهبت فتح إلى أوسلو تتفاوض على السلام وبقيت حماس في غزة تقاوم، وضاع الكثير من الوقت وكان لصالح إسرائيل في كل الحالات، وما يزال الانقسام الفلسطيني أخطر ما أصاب القضية الفلسطينية.

وفي الفترة الأخيرة عادت الانقسامات تعصف بالشارع العربي بين دعاة للتطبيع ومن يؤكدون أن السلام مقبل، رغم أن كل الأحداث تؤكد أن إسرائيل تراهن على الوقت وأن كل الأشياء لصالحها من خلال الدعم الأمريكي، وحالة الضعف التي يعاني منها الشارع العربي.

إن كل الأحداث التي يعيشها العالم العربي كانت في صالح إسرائيل، ابتداء بالحروب الأهلية في أكثر من دولة، وانتهاء بالقوى الأجنبية التي زادت أطماعها في الأرض العربية، والأزمة الحقيقية أن الشارع العربي لم يعد مشغولاً بقضية فلسطين، ولكنه انقسم على نفسه بين سلام لا يجيء وتطبيع لم ينجح.

لقد نجحت إسرائيل في أن تنقل كل مظاهر الصراع العربي الإسرائيلي إلى الأرض العربية، بحيث لم يعد هناك شيء يهدد أمنها وسلامة وجودها، وتركت للعالم العربي الانقسامات والصراعات والحروب الأهلية، وما يحدث في الدول العربية الآن لن يضيف شيئاً لقضية العرب الأولى، وقد سحب الكثير من رصيدها.