فقدت دولة الإمارات العربية المتحدة، أول أمس الثلاثاء، واحداً من روادها الذين عاصروا المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وعايشوا معه عن قرب مسيرة دولة الاتحاد، وأسهموا في بنائها وتطورها على مدار العقود الماضية، إنه إبراهيم العابد رائد الإعلام الإماراتي، وأحد رجالات الدولة المخلصين، الذين تركوا بصمة مؤثرة في الإعلام الإماراتي وتعزيز مكانته على الصعيدين الإقليمي والدولي.
لا يعد من قبيل المبالغة القول إن إبراهيم العابد مستشار مجلس الإدارة بالمجلس الوطني للإعلام يعد رائد الإعلام الإماراتي، ليس فقط لأنه وضع أسس مدرسة الإعلام الإماراتي، التي ترتكز على الموضوعية والمصداقية والانحياز الدائم لمصلحة الوطن وإعلاء شأنه والدفاع عنه في مواجهة أية تحديات، وإنما أيضاً لأنه قدم نموذجاً للإعلامي الملتزم بقضايا وطنه، والحريص على تقديم النصح والإرشاد لجميع العاملين في مجال الإعلام، كي يكونوا دوماً عند حسن الظن بهم، فلم يبخل على أحد يوماً بالنصيحة، صغيراً كان أم كبيراً، لأنه كان يدرك أن الإعلام رسالة والتزام ينبغي تأديتها على أكمل وجه، وبالشكل الذي يسهم في دعم مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة، والحفاظ على قيم المجتمع وخصوصيته الحضارية والاجتماعية والثقافية.
لقد كان إبراهيم العابد، رحمه الله، يحظى بمكانة استثنائية في دولة الإمارات، قيادة وشعباً، لأنه قدم النموذج والقدوة في الإخلاص والتضحية من أجل هذا الوطن، فقد ترك تجربة ثرية في العمل الإعلامي، بدت واضحة في كل المناصب التي تولاها وفي مختلف مواقع العمل الإعلامي التي اشتغل بها، تجربة تعبر عن المهنية والموضوعية والمصداقية، وانعكست بإيجابية على الإعلام الإماراتي في تعاطيه الإيجابي والفاعل مع مختلف القضايا الوطنية. إن تجربة إبراهيم العابد الثرية هي في جوهرها لا تنفصل عن تجربة دولة الاتحاد الفتية، بما شهدته من تطور على مدار العقود الماضية، وما حققته من إنجازات ونجاحات، فقد عايش عن قرب بدايات تأسيس الإعلام الإماراتي، وأسهم في وضع مرتكزات انطلاقته، والمبادئ والقواعد التي يسير على نهجها، خلال المناصب التي شغلها خلال العقود الخمسة الماضية، حيث شغل منصب المدير العام لـ«المجلس الوطني للإعلام»، ومنصب المدير العام لوكالة أنباء الإمارات (وام)، كما أشرف على تحرير الكتاب السنوي لدولة الإمارات والكتيبات والمطبوعات الأخرى التي تصدر عن إدارة الإعلام الخارجي، وفي كل هذه المناصب والمواقع أثبت بحق أنه أبو الإعلام الإماراتي، ورائد نهضته التي عززت من حضوره وتأثيره وقدرته على مواكبة الأحداث والتطورات والتفاعل معها بكفاءة ومهنية.
لقد جسّد العابد في مسيرته المهنية الحافلة بالعطاء قيم تجربة الاتحاد، واستطاع أن يترجمها في مختلف مواقع العمل الإعلامي التي عمل بها، وخاصة قيمة الحوار حول القضايا الوطنية، وأهمية الإجماع حولها من جانب مختلف وسائل الإعلام المختلفة، المسموعة والمرئية والمقروءة، لأنه كان يؤمن بأن الإعلام هو ضمير الأمة، وشريك رئيسي في مسيرة البناء والتنمية والنهضة الشاملة التي تشهدها الإمارات على الصعد كافة.
لقد شرفت بمعرفة إبراهيم العابد لسنوات طويلة، وتعرفت عليه عن قرب، فكان نموذجاً للإعلامي المسؤول، الحريص على الدفاع عن قضايا وطنه، والمشغول دائماً بمتابعة واقع الإعلام الإماراتي، والعمل على كيفية الارتقاء به وتعزيز تنافسيته على الصعيدين الإقليمي والدولي، كما كان، رحمه الله، نموذجاً للمثقف الواعي الملتزم الشغوف دوماً بمتابعة كافة القضايا والتطورات التي تشهدها المنطقة والعالم حولنا، وكان إنساناً بمعنى الكلمة، فلم يبخل على أحد بالنصيحة أو تقديم العون، وكان يمثل طاقة إيجابية لكل العاملين في الحقل الإعلامي، ويشجعهم على الدوام من أجل تطوير مهاراتهم وقدراتهم، كي يكونوا قادرين على التعبير عن رسالة الإعلام الإماراتي ومبادئه التي تجسد ثوابت دولة الإمارات وخصوصيتها الحضارية ونموذجها الملهم في التنمية والسياسة والحكم الرشيد.
إن تجربة إبراهيم العابد الثرية في مجال العمل الإعلامي ينبغي العمل على توثيقها وحفظها، لتكون مرجعاً للأجيال الجديدة من العاملين في هذا المجال، والاسترشاد بها في ممارسة مهنة الإعلام، لأنها تجربة تجمع بين المسؤولية والخبرة والمهنية والالتزام بقواعد وأصول العمل الإعلامي، وأتمنى من القائمين على المؤسسات الإعلامية في الدولة تبني هذه المبادرة وغيرها من المبادرات لتكريم هذه القامة الوطنية الرفيعة والرمز التاريخي، والذي ستظل ذكراه متوهجة في وجدان الإعلام الإماراتي، الذي لا ينسى أبداً رجالات الدولة الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل نهضتها وتعزيز مكانتها.. رحم الله فقيد الإمارات، وأسكنه فسيح جناته.
*إعلامي وكاتب إماراتي