مبدأ الرفض من أجل الرفض كسياج دفاعي بافتراض أن الواقع الفعلي مكرس لمرور ما يريده أحد الأطراف، يسود الآن على المشهد الأمريكي الراهن للانتخابات، ويذكّرنا بالمناخ السياسي المظلم والخطير الذي اتسمت به الخمسينيات من القرن الماضي، أي العقد الذي سبق الحرب الأهلية الأمريكية، وهذا بالتأكيد لا يعني أننا على شفا حرب أهلية، بل يعني وجود جماعات أو شرائح متطرفة، بعضها مسلح، تؤمن بشكل مطلق بنقائها السياسي وترفض شرعية خصومها.

حيث لم يحدث شيء مثل الاستقطاب السياسي والثقافي والأيديولوجي الذي نراه اليوم في الولايات المتحدة بعد انتهاء السباق على البيت الأبيض، والذي اتسم بالمواقف المطلقة للحزبين اللذين قالا للناخب الأمريكي إنه عمليّاً يجب أن يختار بين النور والظلام.

يتحدث محللون ومؤرخون عن أن نتيجة هذه الانتخابات قد تدفع بالمجتمع الأمريكي المنقسم إلى حافة القتال، لكن الحديث عن حرب أهلية، وهو ما نسمعه من حين لآخر غير دقيق لأسباب عديدة، ما هو صحيح وممكن هو إمكانية أعمال عنف متفرقة من قبل أفراد أو مجموعات صغيرة كما نشهد بالفعل راهناً.

ما يجعل الخلافات السياسية الحالية أكثر خطورة من ذي قبل، هو الانتشار غير المعهود لنظريات المؤامرة في المجتمع الأمريكي، هذه هي المرة الأولى التي يشكك فيها رئيس أمريكي في نزاهة وشفافية العملية الانتخابية ويرفض مساعدة الولايات في حل أي تعقيدات فنية لضمان مصداقية نتيجة الانتخابات.

بعض التوترات الراهنة وجزء كبير من الجدل السياسي الحالي ولجوء كل جانب، وخاصة الرئيس دونالد ترامب وأنصاره إلى شيطنة الطرف الآخر، وتحذير من أن فوزه في الانتخابات يعني نهاية الديمقراطية في الولايات المتحدة، كما يقول الكثيرون في معسكر المرشح الديمقراطي جو بايدن، أو تنزلق البلاد إلى الفوضى أو الحكم الاشتراكي، كما يزعم ترامب وأنصاره، هذا الاستقطاب الانتخابي صعب وخطير بحد ذاته، وخطره ازداد مع الأزمة الاقتصادية نتيجة الجائحة، في المشهد الأمريكي الراهن مع إسدال الستار على أهم انتخابات رئاسية منذ أكثر من نصف قرن، وهذا ما يحدث عندما تصر قوى سياسية متطرفة على تغيير الحقائق وترسم لنفسها وللعالم صورة فاضحة للبلاد، وكأنها تقول هذه هي الولايات المتحدة بالشر والخير.

الجدل المطلق وشبه اللاهوتي بين ترامب وبايدن قبل إعلان النتيجة، يقود أي مراقب إلى اليأس، مع احتمال عدم قبول نتيجة انتخابات مليئة بأعمال الشغب، إذ يعتقد بايدن أن ترامب أوصل البلاد إلى «مكان خطير»، ويبقى السؤال حول ما إذا كان رفض ترامب الالتزام مسبقاً بنتائج الانتخابات أمر ممكن، قد يعطل المجتمع ويمكن أن يؤدي إلى العنف؟