من واقع علاقات وثيقة شتى مع مختلف التيارات السياسية والفكرية العراقية قبل وبعد سقوط نظام صدام حسين العراقي، برزت رؤية مشتركة بضرورة الالتفات الكويتي الرسمي الى عملية ترميم العلاقات الكويتية - العراقية على مختلف المستويات.

فقد كان واضحاً الأثر السلبي العميق للماكينة العراقية لنظام صدام حسين على الشعب العراقي الشقيق بكل فئاته وشرائحه وأجياله على مدى ما يزيد على ثلاثين عاماً، حيث غرست تلك السياسة الاعلامية العدائية صورة ذهنية ضد الكويت دولةً وشعباً، لم تخرج اطلاقاً عن مسلسل المزاعم والأكاذيب والافتراءات للنظام العراقي البائد ضد الكويت.

بادرت مجاميع عراقية صادقة من مفكرين وسياسيين من المعارضة قبل وبعد الغزو العراقي الكويتي في تقديم تصوراتها ومقترحاتها، وقد حرصت شخصياً بصفتي مدير المركز الاعلامي في العاصمة البريطانية خلال الفترة 2000 - 2007 سابقا على نقلها الى دوائر القرار في الكويت، إلا انها لم تحظ بالاهتمام المأمول.

من جانبي، تقدمت بمقترح قبل بدء حرب 2003 ضد نظام المقبور صدام بتبني الكويت العمل التمهيدي لتأسيس مكتبة وطنية عراقية لكل الاعمال الثقافية والأدبية والفكرية، التي خرجت من تحت جحيم التهجير والهجرة والغربة في شتى بقاع العالم، إلا أن المقترح تعثر، بل أهمل تماماً، ولم يجد، للاسف، له حيزاً سياسياً مشجعاً في الكويت.

أستدعي اليوم، وبعد 30 عاما على تحرير الكويت، و17 عاما على سقوط نظام حسين، هذه المواقف، بعد التعرف على أركان عملية تقصٍّ دقيقة ذات بُعد تربوي تتعلق في الكويت بالمناهج العراقية، التي قام بها الأخ العزيز وليد عبدالله الغانم، الذي يخوض الانتخابات البرلمانية حاليا في الدائرة الثالثة.

فللمرة الأولى، أتعرف شخصياً على مضمون مبادرة المرشح وليد الغانم، وهي عبارة عن دراسة له يعود تاريخها الى عام 2018 حول موضوع غاية في الاهمية بشأن مغالطات وتحريف تاريخي وجغرافي وردت في المناهج العراقية في المراحل الدراسية كافة، بدءا من الابتدائية حتى الثانوية اعتماداً على طبعات لكتب مدرسية حديثة الطباعة.

فقد شرح الاخ وليد الغانم، معتمداً على مرجع عراقي رسمي لوزارة التربية والتعليم ومديرية المناهج، تفاصيل خرائط وسرد تاريخي تضمنتها كتب دراسية عراقية مختلفة، تجاهلت الوجود الجغرافي لدولة الكويت في جنوب العراق، واستبدالها بالإشارة الى الخليج العربي، علاوة على مراحل تطور الكويت سياسياً وحتى الاستقلال كبلد عربي مجاور للعراق، حيث قفزت روايات غير علمية المضمون ضمن المناهج العراقية على حقائق مرتبطة بالكويت، منها ما يخص معلومات مغلوطة عن وقوع امارة الكويت تحت الاحتلال البريطاني، من دون توضيح واقع معاهدة الحماية البريطانية الموقعة بين بريطانيا والكويت والفرق بين الاستعمار والحماية!

ولأهمية الموضوع، فقد خاطب الاخ وليد الغانم عبر تويتر رئيس مجلس النواب العراقي السابق سليم الجبوري بهذا الخصوص اثناء زيارته الى الكويت في عام 2018، وقد رد الأخير بأنه لم يكن على علم بهذه التفاصيل وأن الموضوع سيكون محل اهتمام ومراجعة.

أسرد هذه التفاصيل ليس من باب الإثارة أو سوء الظن والتشكيك في نوايا اخوتنا في العراق نظاماً وشعباً، ولكن أجد لزاماً علينا في الكويت وعلى المستوى الرسمي، وتحديداً وزارتي الخارجية والتربية، وضع مثل هذه التحديات التعليمية ضمن الاولويات السياسية من اجل انقاذ اجيال عراقية من الوقوع في حقائق تاريخية مشوهة حول دولة الكويت ومصالح مشتركة بين البلدين الشقيقين حاضراً ومستقبلاً.

شكرا للأخ وليد عبدالله الغانم على مبادرته، التي أصبحت ضمن برنامجه الانتخابي في انتخابات 2020، مع تمنياتي له بالتوفيق والنجاح.