لبنان في “استنفار” بالمفرّق لخدمة أهداف مختلفة لدى أطراف مختلفة. والغائب هو الاستنفار السياسي العام من أجل هدف ضروري وملح وأساسي: إخراج البلد من الهاوية أو أقله وقف الانهيار الكامل. وهذه مهمة تحتاج الى ما هو أبعد من أية حكومة وأكبر، لكنها مستحيلة من دون البدء من حكومة. “حزب الله” يستنفر كل قواه لرد أي إعتداء إسرائيلي، وسط معرفته بأن ترامب ونتنياهو ينتظران أن تتسرع ايران في الرد على اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده ليوجها ضربة عسكرية كبيرة. قصر بعبدا مستنفر لرد أية تشكيلة حكومية إن لم تكن على قياس ولي العهد. الرئيس المكلف سعد الحريري مستنفر لحماية المبادرة الفرنسية والحرص على ألا يشكل حكومة تغضب أميركا والسعودية، لكنه في موقع من لا يستطيع التقدم او التراجع. رئيس المجلس النيابي نبيه بري استنفر المجلس للبحث في مشروع لقانون انتخاب يغلّب العدد على التعدد، والرد على رسالة الرئيس ميشال عون حول التدقيق الجنائي بقرار، لا بقانون، يغرق الموضوع في البحر.

ولا أحد يعرف ماذا نفعل لولا فرنسا المستمرة بدفع من الرئيس ايمانويل ماكرون في التحرك العملي لمساعدة لبنان على إنقاذ نفسه. تحرك على خطين: خط سياسي لتأليف حكومة لمهمة هي الإصلاح وتنشيط الاقتصاد، وخط إنساني للمساعدات منذ كارثة المرفأ. والحق علينا، لا على فرنسا، في الاكتفاء بمؤتمر دولي للمساعدات الانسانية، بعدما هربنا من تأليف الحكومة وأفشلنا جهودها لتأمين الدعم السياسي. حتى في باب المساعدات الانسانية، فان معظم البلدان قدمت لنا الكثير، في حين ان الذين أثروا من السطو على المال العام والخاص لم يتبرعوا حتى بشيء مما سرقوه.

وليس أمراً قليل الدلالات أن يصر المانحون على تقديم المساعدات للجيش والمجتمع المدني والبلديات، وليس للسلطة السياسية التي فقدت ثقة الخارج والداخل. فلا شيء يتقدم على الحسابات الصغيرة والنكايات والتفاهات في “جمهورية التعطيل”. ولا خوف ولا خجل لدى التركيبة الحاكمة والمتحكمة من دفع لبنان بأيديها الى مرتبة دون مرتبة الدول الفاشلة. كيف؟

علامات الدول الفاشلة، حسب “صندوق السلام العالمي” بالتعاون مع مجلة “فورين بوليسي”، خمس: “ضعف السيطرة على الارض، فقدان حصرية العنف الشرعي، العجز عن تقديم الخدمات العامة، ضعف السلطات وانهيار الإقتصاد والعملة”. ونحن في هذه العلامات وأكثر، بحيث يضطر العالم الى الإشفاق علينا ومساعدتنا كأننا “مخيم للمنكوبين”.

في كتاب جديد للبابا فرنسيس مع أوستن ايفيريش تحت عنوان “دعونا نحلم: الطريق الى مستقبل أفضل” تذكير بقول هولدرلن: “حيث الخطر، تنمو دائماً قوة الإنقاذ”. وما تفعله المافيا هو توظيف الخطر وتدمير قوة الإنقاذ.