عندما استقبلنا العام الجديد كانت بداخل كل واحد منا أمنية على الأقل- وهي أن يكون هذا العام 2021 أفضل من العام الذي غادرنا، بذكرياته التي تغلب عليها تداعيات فيروس كورونا الذي استولى على الأخبار وحديث الناس وقيد حرية كل واحد منا.

ورغم ذلك، فإن العام المنصرم، يذكرنا ليس فقط بـ(19-COVID)، وإنما أيضاً بالانتخابات الأميركية-هذه الانتخابات التي لم تساهم كورونا وحدها في حسم نتائجها. فهذه الانتخابات قد تأثرت أيضاً بالدور المتميز والمختلف الذي لعبته شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك وانستغرام وغيرها. وإذا كان فيروس الالتهاب الرئوي سوف ينحسر في هذا العام نتيجة سياسة الإقفال lockdown والتباعد الاجتماعي والتطعيمات التي بدأ استخدامها، فإن دور شبكات التواصل الاجتماعي سوف يزداد.

لقد كشفت الانتخابات الأميركية مدى سطوة شبكات التواصل الاجتماعي، التي بدأت لأول مرة على حقيقتها. فهذه الشبكات التي ظهرت إلى الوجود وترعرعت مع ظهور النظام العالمي الجديد الذي نشأ عام 1991 قد استحوذت على الباب الناس، باعتبارها منابر لحرية التعبير عن الرأي، الذي يدعو له ذلك النظام القائم على أساس العولمة وحرية الأسواق وتهميش دور الدولة في الاقتصاد.

وكان العرب أول من صدق ذلك، عندما بدؤوا يحطمون بلدانهم خلال ما صار يعرف بالربيع العربي، الذي تحولت خلاله شبكات التواصل الاجتماعي إلى منسق ومدير للفوضى والمسيرات التي عمت الشرق الأوسط ابتداء من عام 2011. ولكن هذه الشبكات التي اختطفت العقول تحت شعارات براقة قد تركت الشرق الأوسط مهشماً منقسماً على الوضع الذي نراه عليه الآن.

ولكن الانتخابات الأميركية في هذا العام قد جاءت لتكشف الوجه الآخر- الوجه المستور لهذه الشبكات. فبعد أن ازداد مستخدميها، جاء الوقت لتصبح مقص رقابة يمنع نشر ما لا يتفق مع توجهات أصحابها والمتنفذون فيها. فهذه السطوة التي حصلت عليه، قد مكنتها من حضر ما لا تراه مناسباً من تغريدات الرئيس الأميركي ومنع إعادة نشر ما تكتبه بعض الصحف المؤيدة له. وهذا يعني تحول هذه الشبكات إلى رقيب سياسي، وذلك على خلاف ماكنت تدعيه سابقاً.

وبالتأكيد، فإن نفوذ هذه الشبكات وسطوتها سوف تزداد حتى الانتخابات الأميركية عام 2024. ففي خلال الأربعة أعوام القادمة سوف تزداد ضراوة المواجهة بين تيار العولمة والتيار الوطني الذي صار يسمى بالشعوبي تهميشاً له. ولكن بعد ذلك، فإن الأمر سوف يعتمد على نتائج تلك الانتخابات. فإذا فازت أميركا أولاً، فإن فلسفة العولمة الذي ترعرعت في ظلها شبكات التواصل الاجتماعي سوف تتراجع بشكل كبير ومعها تلك الشبكات.

وكل عام وأعزائي القراء بألف خير.