هذا المقال عن إحدى أهم الطائرات في تاريخ الطيران المدني السعودي. صنعتها شركة لوكهيد الأمريكية وكانت تطلق على جميع طائراتها أسماء أجرام أو ظواهر فلكية، و»ترايستار» معناها ذات الثلاث نجوم. ولنبدأ بالتاريخ: كانت حقبة الستينيات الميلادية من القرن العشرين هي الأهم في مسيرة الفضاء والطيران، لأنها كانت فترة التحديات الكبرى وعلى رأسها برنامج «أبولو» لإنزال بشر على سطح القمر وإعادتهم إلى الأرض سالمين. وأما في مجال الطيران فقد نشط الانتقال من الطائرات المروحية إلى النفاثات ليوفر السرعة، والراحة، والمدى. وكانت إحدى التحولات الرئيسة هي تقديم ثلاثة طرازات من الطائرات العملاقة «الجامبو» ذات البدن العريض.. أي تلك التي تحمل الأعداد الكبيرة وتحتوي على ممرين بداخل مقصورة الركاب. وكلها كانت من غرب الولايات المتحدة.. البوينج 747 الأكبر حجماً بين العمالقة.. والدوجلاس «دي سي 10» واللوكهيد «ترايستار 1011». وكانت الأخيرة هي أول طائرة تجارية نفاثة تنتجها شركة لوكهيد، وقررت أن تقدم أحدث التقنيات في النقل الجوي بدلاً من الاعتماد على التقنيات المجرّبة التقليدية. وكانت النتيجة أنها قدمت طائرة حديثة سابقة لزمانها بمعنى الكلمة في هيكلها، ومحركاتها، وأجهزة التحكم والملاحة، والترفيه، وخدمة الركاب، وغيرها. وبالرغم أن المتطلب الأساس كان لطائرة ضخمة بمحركين، إلا أن متطلبات الأداء تطلبت إضافة محرك ثالث في ذنب الطائرة. وعلى سيرة المحركات فقد تعاقدت لوكهيد مع شركة «رولز رويس» البريطانية حصرياً لتصميم وتصنيع أحدث المحركات في عالم الطيران التجاري آنذاك، وأطلقت عليه اسم «آر بي 211». كانت محركات قوية جداً، واقتصادية نسبة إلى المستوى الرائج آنذاك، وكانت أيضاً هادئة جداً.. ولكنها كانت كارثة مالية، فقد تسببت في إفلاس شركة «رولز رويس» وتدخلت الحكومة البريطانية لإنقاذها بضمانات مختلفة. وتسببت تلك الكارثة المالية في تأخر إنتاج المحرك، وبالتالي في تأخير دخول الطائرة للخدمة. ولم تستطع اللحاق بمنافستها «الدوجلاس دي سي 10». وكانت مبيعات الطائرة المتألقة دون المستوى، فأنتجت 250 طائرة فقط في الفترة 1968 إلى 1984، وكانت خسارة مالية كبيرة للشركة. وكانت الخطوط الجوية العربية السعودية هي من أوائل الشركات التي شغّلتها خارج الولايات المتحدة من عام 1975. وصل عددها إلى 17 طائرة عملت على الخطوط الدولية وبعض الخطوط الداخلية أيضاً. وقدمت الطائرة تقنيات جديدة تميزت بالراحة للمسافرين بسبب رحابة مقصورة الركاب وهدوء محركاتها. ولكن أوجه التألق الأساسية كانت في قيادتها. كان التحكم فيها باستخدام «الأزارير» المنطقية سهلة الاستخدام بدلاً من مفاتيح التحكم كما هو الحال في الطائرات الأخرى.. وكانت تتمتع بأكبر مقصورة قيادة، وأفضل رؤية لطاقم القيادة. وكانت تتمتع أيضاً بدرجة ثبات غير مسبوقة في عالم الطيران التجاري على جميع محاور حركتها، وفي تعامل أسطحها مع المطبات الجوية. وكانت أجهزة التحكم تسمح لها بالهبوط في أسوأ الأحوال الجوية بكل أمان بمشيئة الله. وأخيراً، فكانت تتحرك برأسها مرفوعاً في الإقلاع، والتحليق، والهبوط أكثر من أية طائرة تجارية أخرى إلى يومنا.

أمنيـة

تاريخ الطيران المدني في وطننا يستحق التوثيق الدقيق لأن فيه الكثير مما يتطلب الشكر والتقدير. أتمنى أن نتذكر هذه الطائرة لأنها كانت نقلة نوعية متميزة وفريدة للنقل الجوي.. ولكن الأهم منها هم الرجال المخلصون الذين أتقنوا في تشغيلها كطيارين، أو في الدعم الفني أو في الخدمة الجوية، وأخص بالذكر الكباتن: عاطف بخش، والمرحوم أحمد القواسمي، وغازي باديب، وهشام زارع، والدكتور محمد برنجي، وزملاءهم الكرام. وأتمنى أن توثق أسماؤهم في سجل متاحف الطيران في المملكة.. جزاهم الله خيراً، وهو من وراء القصد.