في طريقها إلى العاصمة واشنطن من كاليفورنيا لحضور التجمع الذي دعا إليه الرئيس ترامب، أرسلت السيدة أشلي التغريدة: «لا شيء يقف أمامنا، سوف يحاولون وقفنا، لكن العاصفة آتية على واشنطن». وفي ليلة 5 يناير التي سبقت الهجوم على مبنى الكونغرس، استمعت السيدة أشلي إلى أكثر من خطبة، من بينها للقس جريك لوك الذي خاطب الحضور بأنهم جيش من الأبطال، والقس بريان جبسون الذي نادى بأن كنيسة المسيح الإله سوف تستعيد الأمة.

ويوم 6 يناير، استمعت السيدة أشلي إلى محامي الرئيس جولياني قائلاً: «لنحتكم إلى القتال». أما ابن الرئيس، فخاطب الجمهوريين الذين لم يدعموا أباه قائلاً: «متوجهون إليكم». أما الرئيس، فوصف أعضاء الحزب الجمهوري الذين لم يدعموه بأنهم كمن يلاكم واضعاً يديه خلف ظهره، لذا «سوف نقاتل بعنف، لأنه عندما لا نقاتل بعنف، فلن نتمكن من استعادة بلدنا». وبعد أن دعا الرئيس ترامب الجموع بالتوجه إلى مبنى الكونغرس، ومن بين نحو ثلاثة آلاف، توجه بضع مئات منهم إلى مبنى الكونغرس، وكان من بين هؤلاء المتحمسين السيدة أشلي، وعندما اندفع المحتجون إلى الكونغرس في الوقت الذي كانت تعقد فيه الجلسة المخصصة لإقرار نتائج المجمع الانتخابي، كانت السيدة أشلي في المقدمة، لدرجة أن رفعها زملاؤها لتدخل إلى المبنى من خلال زجاج نافذة مكسور، وعندما أطلت برأسها إلى الداخل، «أطلق عليها أحد الحراس، فسقطت تنزف الدماء من فمها».

وبهذا الوقت نفسه، كان الرئيس ترامب والمجموعة المقربة منه يشاهدون الأحداث من خلال شاشات تلفزيونية نصبت في حديقة البيت الأبيض، وكان الحضور يستمع إلى الموسيقى، وابن الرئيس يراقص صديقته المحامية والمذيعة السابقة في فوكس نيوز كمبرلي غيلفويل التي كانت قد اشتكت عليها زميلة لها بتهمة التحرش. وفي الفيديو الراقص، ظهرت غيلفويل وعلى وجهها أطنان من المكياج، وهي تنادي أمام الكاميرا: «هذا الوقت لفعل الشيء الصحيح، اذهبوا وقاتلوا».

وقد نشرت «نيويورك تايمز» بتاريخ 8/1/2021 بعض تفاصيل حياة السيدة أشلي التي قتلت أثناء اقتحامها مبنى الكونغرس، حيث تُبين الفارق الطبقي والظروف الحياتية بين ترامب وجزء كبير من قاعدته الانتخابية. فالسيدة أشلي خدمت في الجيش لمدة 14 سنة، وبعدها عملت في الحراسة في محطة نووية في كاليفورنيا، كما عملت في الحراسة في محطة نووية أخرى في ميرلاند، ولها من العمر 35 عاماً، وتنتمي إلى عائلة من الطبقة العاملة في مدينة سان دييغو في كاليفورنيا، وكانت لديها مشاكل مع صديقة زوجها الثاني. وقد حاولت أن تستقل بحياتها اقتصادياً بأن أسست شركة تورد مستلزمات المسابح، لكنها لم توفق، ولم تتمكن من تسديد إلا 3400 دولار من قرضها المصرفي البالغ 65000 دولار.

لا نعرف نسبة الذين تتشابه حياتهم مع حياة السيدة أشلي من بين مقتحمي الكونغرس، لكن أعتقد أنها ليست بالقليلة، ولعلها مفارقة عجيبة أن يكون الأكثر حماساً للرئيس ترامب هم أولئك البيض قليلو الدخل. فهؤلاء لم يستفيدوا من برنامج خفض الضرائب الذي طبقه ترامب، بل إن من استفاد من هذا البرنامج لم يتقبل تحريض ترامب باقتحام الكونغرس، فقد دعا جي تيمونز، رئيس رابطة الصناعيين الوطنية، التي تضم شركات من بينها كاتربيلر، وغوديير لصناعة الإطارات، وجونسون وجونسون، وفايزر، وداو كيميكال، إلى عزل الرئيس ترامب. فهنا نحن أمام حالة قد تبدو غريبة، حيث يتخلى الصناعيون الأغنياء عن ترامب، ويتمسك به الفقراء أمثال السيدة أشلي! لكن الغرابة تتلاشى عندما نعرف أن هؤلاء الصناعيين لديهم الخبرة والاطلاع وتحليل الأمور بصورة موضوعية، ما يجعلهم في وضع أسهل للوصول إلى الحقائق، بينما الطبقة «المؤمنة» برسالة ترامب، وبأوهام نظريات المؤامرة، تعيش هذه الطبقة الثانية في حياة اقتصادية متدنية، فالنجاح الاقتصادي يعتمد على الأرقام لا على الأوهام، هؤلاء انجروا إلى شعارات أشعلت الحماس في دواخلهم، وكثير منهم وربما أغلبهم لا يحمل الأدوات المعرفية للتفكير بمدى صحة هذه الشعارات، فلديه غضب داخلي على أصحاب المعرفة، خصوصاً على النخبة التي حققت نجاحات اقتصادية، نتيجة تميزها بالتعليم.

كثير من هؤلاء الذين هاجموا الكونغرس يحملون فكراً عنصرياً، لكن يبقى أنهم مهمشون ومستغلون من قيادات سياسية، مثل ترامب والسيناتور تيد كروز من تكساس. هذا، ومع أن الكثير ممن دعم ترامب سارع بالابتعاد عنه بعد الاقتحام، فإنه يبقى من الصعب إلى الآن تقدير مدى تدهور قاعدة ترامب التي ظلت موالية له على الرغم من كذبه وخداعه.

لكن ما يمكن تأكيده أن ترامب لم ولن يذرف الدموع على السيدة أشلي، ولا أعتقد أنه يعرف اسمها، أو أنها كانت مدينة للبنك بمبلغ 65000 دولار.