ـ “بلكونة” الجمعة مقتطفات من كتاب، أو من مجموعة كتب، اليوم نلتقي بخمسة مقاطع من خمسة كتب، هي على التوالي، وأرجو أن تكون “على التوالي” هذه كافية للشرح!،..: “الأخلاق” لروجيه بول دروا، ترجمة نهلة بسيوني. و”أسرار الموسيقى” لعلي الشوك. و”الرّوايات التي أُحبّ” لنخبة من الكُتّاب، ترجمة وتقديم لطيفة الدّليمي. و”مع بورخيس” لألبرتو مانغويل، ترجمة أحمد م. أحمد. و”اليوميّات” لشارل بودلير، ترجمة وتقديم آدم فتحي.
غير الانتقاء، فإن كل ما لي من المقالة: العناوين الفرعيّة القصيرة، وبعض علامات تعجّبٍ، وبعض تقويسات!، وقفزات صغيرة حذرة!، إن لزم الأمر:
ـ الأخلاق ليست القيام بالأفضل!..:
هل الأخلاق هي في بادئ الأمر مجموعة الأفكار المرتبطة بأسئلة مثل: ماذا يجب عليّ أن أفعل؟ كيف يمكنني أن أتصرّف؟ نحن نريد أن نفعل الأفضل دائمًا؟!.
في الحقيقة، نعم. ولكن ما يجعل الموقف أكثر تعقيدًا، أنّ الأفضل ليس بالضرورة كذلك!،..، تخيّل أنّ أحدًا يتساءل: كيف أتصرّف بأسوأ طريقة؟! قد يحدث ذلك: عندما نريد أن ننتقم!، عندما تقودنا مشاعر الكراهيّة، وتحرّكنا الرّغبة في الإيذاء!. تجد حينها، إذا تساءلنا هذا السؤال، فسيكون الأسوأ هو... الأفضل!. الأفضل في هذه الحالة سيكون الأكثر شرًّا!. لأننا نبحث في هذه الحالة عن الأداء الأفضل!.

ـ مشاعر الآلات:
..، وفي دنيا الألوان، كان ذوق عصر النهضة في الرسم كما في الموسيقى، يُفضِّل الألوان المُتناقضة!. أما في القرن السابع عشر، فكذلك في الرّسم كما في الموسيقى تمّ تفضيل اللون المُهَيمِن!. وفي الموسيقى كانت الهيمنة للآلات التي تُعزف بالقوس!،...، وتُوصَفُ الوتريّات بأنها تُورثُ تعبيرًا عاطفيًّا حارًّا، والفلوت “النّاي” والأوبو بأنهما رَعَوِيّان،..، والباسون بأنّه يتّسم بالتّشكّي والهزل، والترومبيت بأنه بُطُولي،..، والترومبون بأنه وقور!. ويَصلحُ الأورغن بأنغامه المعزّزة الجليلة وبتماوج أصواته آلةً لأماكن العبادة!. أمّا الهاربيسكورد “آلَة أقدم من البيانو”، بأصواته المعدنيّة، فعلى العكس من الأورغن، يُوحي بالخفّة والمرح والدّعابة!.

ـ ملاعبة اللغة:
ـ “ريببيكا غولدشتاين”: إذا ما كتبتَ رواية فينبغي أن تجعلها شيّقة، وينبغي أن توظّف كل الأدوات الأدبيّة إلى أقصى حدودها الممكنة: الشخصيّة، الحبكة، المشهديّة الروائيّة، ملاعبة اللغة، وإلى ما سواها من الأدوات المتاحَة!. وباختصار، ينبغي أن تجعل روايتك وليمة شهيّة على المستوى الأدبي. إن ما تحاول فعله، كروائي، هو أن تُمهّد الأرضيّة لخوض تجربة كبيرة تستعصي طبيعتها الدّقيقة على أن تكُون بالكامل طوع سيطرتك وإرادتك!. لأنّ القُرّاء في المُقابِل سيَعْمَدُونَ حتمًا على إسقاط حَيَوَاتهم وشخصيّاتهم على عملك الرّوائي!، وسيجعلون منه تجربة خاصّة بهم!.

ـ حكاية رأي نقدي:
ـ ذات مرّة، بينما كنّا جالسين في غرفة الجلوس، حضر كاتب لا أريد أن أتذكّر اسمه، ليقرأ على مسامع بورخيس قصّة كتبها على شَرَفِه. ولأنها عالجت موضوع جماعات السّكاكين وقُطّاع الطُّرُق، ظنّ أن بورخيس سوف يستمتع بها. استعدّ بورخيس للإصغاء، اليدان معتمدتان على العصا، الشّفتان منفرجتان قليلًا، العينان تحدّقان إلى الأعلى تلتمسان إلى الله أن يُلهمه نوعًا من سعة الصّدر!. كانت القصّة تدور في حانة مكتظّة بشخصيات من قاع الحياة. يحضر مفتّش شرطة المحلّة المعروف بإقدامه من دون سلاح، وبمحض سُلْطة صوته يُرغم الرجال على تسليم أسلحتهم. ثم يبدأ الكاتب يُعدّدها بحماس: “خنجر، مسدّسان، هراوة جلديّة واحدة، ...”، فأكملها بورخيس بصوته مُفرط الرّتابة: “ثلاث بنادق، بازوكا واحد، مدفع روسي صغير، خمسة سيوف معقوفة، منجلان، بارودة فلّين لئيمة...”. افتعل الكاتب ضحكة صغيرة، لكن بورخيس أكمل بلا كلل: “ثلاثة مقاليع، كسرة آجرّ، قوس قاذف واحد، خمس فؤوس، كبش مناطحة واحد...”. نهض الكاتب وتمنّى لنا ليلة سعيدة. لم نره بعد ذلك!.

ـ قَسَم:
أُقسم على أن أجعل من القواعد التالية القواعدَ الأبديّة لحياتي، من الآن فصاعدًا:
أن أتوجّه كل صباح بصلاتي الى الله، مُستودَع كلّ قوّة وكل عدالة،...، وأُقسِم على أن أعمل طيلة اليوم، أو على الأقلّ طالما ظَلَّت لديّ قُوَىً تسمح بذلك، وأن أُعوّل على الله أي على العدالة نفسها، في كلّ ما يخصّ نجاح أعمالي. وأن أتوجّه كلّ مساء بصلاة جديدة، راجيًا من الله أن يُمتِّع أُمّي ويُمتّعني بالصحّة وطول العمر، كما أُقسم على أن أوزّع كل ما أكسب على أربع حصص، حصّة للمصروف اليومي، وأُخرى للدّائنين، والثالثة للأصدقاء، والرّابعة لأُمّي، وأن أتبع أشدّ تعاليم القناعة صرامة، وأوّلها إلغاء كلّ أنواع المهيّجات مهما كانت...!.