الفنان العظيم فان جوخ، قطع أذنه وأهداها حبيبته في نوبة من نوبات سينسثيزيا. لقد رسم وجهه في لوحته الشهيرة، وعندما أتم رسم وجهه البائس ونظر إلى اللوح، لم يعجبه شكل أذنه، فقرر مسحها، وهنا تشابكت حواسه، وبدل أن يمسك الفرشة ويمررها على اللوحة، تناول مشرطا وقطع أذنه في الواقع!
أما موزارت، الموسيقار الفذ، فقد كتب أجمل ألحانه وهو على فراش الموت. كانت الحروف الموسيقية تهبط عليه فيراها حية أمامه، فيصفها لمرافقه ليكتبها، وتولد عن هذا التداخل ولادة سيمفونية قداس الموت الشهيرة!
ترش عطرا فتسمع صوت رذاذه المتطاير في الهواء على شكل موسيقى هادئة تتسلل إلى داخلك، فيستهويك أو تنتقل إليك رائحته على شكل نغم عال ونشاز فتنفر منه. تتناول قطعة شوكولاتة فيتحول طعمها في ذهنك إلى سحابة ماطرة. تتخيل أمك باللون الأخضر، وحين تأتي سيرة والدك تتمثل صورته باللون الأزرق، وهكذا. إنك تسمع الروائح، وترى الأصوات، وتتذوق الحروف، فهل شعرت بأحد هذه الأعراض يوما؟
هل شعرت بهذه الفوضى في دماغك؟ إنها حالة حسية إدراكية تعرف بـ"السينسثيزيا"، تسبب خللا في دماغك يميزك ويجعلك في مصاف العباقرة والفنانين إذا أحسنت استغلالها!
حاله يصاب بها 4 في المائة من الأشخاص، ويشعرون بها، بينما يقول العلماء إننا نولد جميعا بها، لكنها تضمر مع مرور الوقت، إلا عند القلة من البشر، خصوصا لدى النساء، ومن يستخدمون أيديهم اليسرى، والأذكياء وسليمي الأعصاب.
كل جزء في دماغ الشخص العادي منفصل تركيبيا ووظيفيا عن الجزء المجاور له، ويبدو ذلك جليا في خريطة الدماغ التي رسمها العالم برود مان، بينما تتشارك المناطق المجاورة في عقل المصاب بـ"السينسثيزيا" في وظائفها، ويجري ما يسمى الحديث المتبادل بينها، فيتولد الحس المرافق "سينسثيزيا".
عقول العلماء والمبدعين مليئة بالألوان والروائح والأصوات والأشكال، التي تمنح عقولهم المجال لإيجاد البدايات ورسم النهايات، وعلى قدر وعيك المعرفي تكون استفادتك من هذه الظاهرة الصحية العجيبة!
فالوعي المعرفي الواسع لديه القدرة على تغيير فسيولوجية دماغك وإيجاد صور من الإبداع والفن والجمال حتى أصعب النظريات العلمية!
من هنا يولد الفنان والمبدع والعالم والشاعر والموسيقار. اسمعوا بأعينكم قصائد خالد الفيصل، وشاهدوا بآذانكم كلمات بدر بن عبدالمحسن، لتروا الجمال المتولد من فوضى أدمغتكم!