يعرف مساعد وزير الخارجية الأميركي #ديفيد_هيل الذي يصل الى بيروت في زيارة قد تكون الأخيرة، لأن جو بايدن لم يعيّن خلفاً له بعد، والذي سيقابل المسؤولين اللبنانيين، محاولاً تجريب ما جرَّبه مراراً من قبل، يعرف انه لا يمكن ان يتغيّر شيء الآن في هذا البلد الذي انتهى تقريباً، والذي يندفع الى الإنهيار الأخير لسببين:

اولاً، لأنه لم يعد فيه مسؤولون قادرون على توفير الحد الأدنى من التفاهم، للتعاون والإسراع في تشكيل “حكومة المهمة” الإنقاذية المحددة، التي اقترحها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، أي حكومة تحاول بعد صراعات وانهيارات السلطات المسؤولة فيه، وبعد الإنقسامات الداخلية القبائلية والمذهبية، اقناع دول العالم بأهمية وضرورة إنقاذه، قبل ان يتحول ساحة تشتعل بالفوضى والقتال والإرهابيين، بما يشكّل ساحة ليبية جديدة تنهك الأوروبيين على الشاطىء الغربي للمتوسط.

ثانياً، لان القرار في بيروت لم يعد للدولة اللبنانية المهشّمة ولا للمسؤولين فيها وعنها، بل صارعملياً عند الإيرانيين، الذين يخوضون الآن اشرس معاركهم مع الإدارة الأميركية الجديدة، والذين يضعون على الطاولة مجموعة من أوراق الضغط والمساومة، كورقة اليمن المتأججة، وورقة العراق المتأزمة، وورقة سوريا المقسّمة، لكن تبقى ورقة الوضع في لبنان، ذات حساسية على طاولة المفاوضات مع جو بايدن، وذلك عبر “حزب الله” الذي يلعبها بمهارة من وراء ستار تحالفه مع رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره السياسي.

ويعرف ديفيد هيل الذي يقال انه يأتي ليدفع في اتجاه تشكيل حكومة تنقذ الوضع الكارثي في البلد، تماماً كما يعرف مثلاً محمد جواد ظريف، ان الحكومة اللبنانية لن تولد إلا من خلال النتائج العملية للمفاوضات النووية التي ستقرر عملياً الوضع الإستراتيجي في المنطقة، واستطراداً على صعيد التوازنات الجيوسياسية الدولية، بعدما توسعت اللعبة السياسية على المستوى الدولي، إنْ من خلال اتفاق التعاون المهم بين ايران والصين، والذي يقلق واشنطن والعواصم الأوروبية، وإنْ من خلال التحرك الروسي المستجد للمحافظة على حصته من قالب الحلوى الجديد، وهو تحديداً ما دفعه الى التحرك اخيراً في أوكرانيا.

ولأن ديفيد هيل يعرف ان المسؤولين عن البلد لا يتوقفون مثلاً امام هذه الأمور الحساسة والدقيقة والتي ستقرر مصير لبنان، سيحاول مرة أخيرة ان يوقظهم من نومهم في كهف الخلافات على الفقرة 2 من المادة 64 من الدستور التي تنيط بوضوح كلّي برئيس الحكومة المكلف مسؤولية اجراء الإستشارات النيابية [غير الملزمة] لتشكيل الحكومة، وان يوضح لهم ان بقاء المسيحيين في لبنان هو ضمان حقوقهم لا دفعهم الى الهجرة بسبب انهيار الوضع!

ولكن السؤال: هل سيكون كلام هيل مسموعاً أكثر من كلام البطريرك بشارة الراعي الذي لامس توبيخ المسؤولين علناً بقوله ألّفوا حكومة واخجلوا من المجتمعين العربي والدولي، وكفّوا عن هذا التعطيل من خلال اختلاق أعراف ميثاقية واجتهادات دستورية وصلاحيات مجازية وشروط عبثية، وكل ذلك لتغطية العقدة الأساس وهي ان البعض قدَّم لبنان رهينة في الصراع الإقليمي الدولي، ولا نريد العودة الى ازمة لبنان الرهينة والوطن البديل ونحن في الذكرى السادسة والأربعين لاندلاع الحرب المجنونة عام 1975.

حتى هذا يعرفه هيل جيداً، ولكن ماذا يعرف الذين يتهمون الحريري بالخيانة العظمى عندما يقولون انه يبثّ افكاراً في الخارج تؤذي لبنان، ولكأن أفكارهم تخدم لبنان…عجباً!