لا يوجد تفسير لأسلوب الرد الإيراني على الهجوم الذي تعرضت له منشأة نطنز النووية برفع عمليات تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المئة، وهي النسبة التي تقرّب طهران من امتلاك القنبلة النووية، إلا أنه تأكيد على حقيقة مخاوف الرأي العام العالمي من النوايا الإيرانية من امتلاكها للسلاح النووي، وهو تهديد الاستقرار العالمي وليس كما يروّجون له الاستفادة في المجالات المدنية.

استخدام هذا الأسلوب هو استمرار في إسماع المجتمع الدولي اللغة الإيرانية القائمة على العنترية والغطرسة. والتفسيران لا يليقان ولا يتناسبان مع الواقع الدولي الحالي والجوار العربي اللذين يتشاركان التأثيرات السلبية للمفاعلات النووية، كلاهما يبحث عن لغة تطمئنه من قادة إيران.

طريقة تفجير مفاعل نطنز – دون معرفة من قام به حتى وإن كانت الشكوك تدور حول عملاء لإسرائيل في الداخل الإيراني – لا تختلف عن عملية اغتيال واحد من أهم العلماء النوويين في إيران محسن فخري زادة في نوفمبر الماضي، حيث لم يكشف عن الجهات التي قامت بتلك العملية المحكمة رغم كل الحراسات والاحتياطات الأمنية المخصصة له.

في كلا الحالتين اتضح ضعف المؤسسات الإيرانية عندما يتعلق الأمر بحماية نفسها، واهتزت مكانتها أمام الرأي العام الإيراني، وأعطت انطباعاً للمراقبين أنها لا تستطيع حماية علمائها، فكيف الأمر إذا وصل إلى كارثة نووية.

كل المؤشرات تقول إنّ من يقف وراء هذه العملية وعملية اغتيال فخري هم عملاء إيرانيون استطاعت إسرائيل أن تجندهم

دولة مخترقة مثل إيران هل هي قادرة على السيطرة على نفسها، ومن يضمن عدم استخدامها للقنبلة النووية في أيّ خلاف قد يحدث بينها وبين دول أخرى. العقلية الفوقية وحالة التشنج التي تعبر عنها سلوكيات سياسي إيران لا تطمئن العالم.

كان من المنتظر أن ينظر النظام السياسي الإيراني إلى الداخل، فالصورة الكبيرة والضخمة لها اهتزت وخدشت أكثر من مرة دون أن تفكر بالعمل على ترميمها. وقبل أن تذهل ردة الفعل الإيرانية تجاه عملية تفجير نطنز المراقبين أذهلت الإيرانيين أنفسهم الذين كانوا ينظرون إلى نظامهم بشيء من التبجيل والكبرياء، فإذا به يصر على الخطأ مرة أخرى، ولا يبدي أيّ حسن نية أو يعمل على أن تكون إيران دولة طبيعية يهمها استقرار العالم وأنها فعلاً تعمل، كباقي دول العالم، للحصول على التكنولوجيا النووية لغايات سلمية.

يمكن تفهّم التصعيد الإيراني في شأن رفع معدلات التخصيب إذا كان التصعيد موجهاً ضد إسرائيل، الدولة التي تتهمها طهران بأنها تقف وراء هذا العملية وغيرها من العمليات، ولكن بالطريقة الحالية هو استفزاز لكل دول العالم بما فيها الولايات المتحدة، خاصة في عهد الرئيس الحالي جو بايدن الذي يحاول أن يعيد المفاوضات مرة ثانية مع الإيرانيين بشأن هذا الملف. التصعيد يترك أثاراً كبيرة على تلك المساعي ويزيد من توضيح هشاشة النظام الإيراني داخلياً، فكل المؤشرات تقول إنّ من يقف وراء هذه العملية وعملية اغتيال فخري هم عملاء إيرانيون استطاعت إسرائيل أن تجندهم مستثمرة مشاعر غضب الإيرانيين ضد النظام.

هذا كله يؤكد الحاجة إلى مراجعة من داخل النظام نفسه قبل استعداء المجتمع الدولي، الذي ليس في مصلحته انفجار إيران من الداخل لأن التداعيات ستكون كبيرة على الجميع وليس إيران فقط.

الداخل الإيراني يعاني مشاكل كثيرة والعلاقات بين مؤسساته شديدة التوتر والتوجس والريبة، والدليل الاختراق الذي يتم حالياً، وكذلك انتقادات بعض المسؤولين للنظام القائم في طريقة إدارته للأزمات. وإذا كان الاعتقاد بأن مثل هذه العمليات تعمل على توحيد الموقف، في دولة ممزقة اجتماعياً وسياسياً، فإن الأمر لن يستمر طويلاً، لأن خداع الناس حول المشروعات السياسية طال حبلها والشعب بدأ يشعر بالملل، وهذا يمكن أن يعجّل بفوضى داخلية لا تمكن السيطرة عليها. لقد كثرت أخطاء النظام الحاكم في طهران، ومثال الاتحاد السوفياتي وانهياره يمكن أن يتكرر في إيران إن لم يستدرك النظام القائم ذلك.

الطرف الذي يقف خلف التفجيرات لا يخشى ردة الفعل الإيرانية لأنه يدرك أن هذه رغبة من داخل إيران وبالتالي فهو مستمر في عملياته، فكلّ ما يحدث يشير إلى أن إيران بدأت تتآكل من الداخل وأن النظام في طريقه إلى الانهيار، وهذا ما لا يتمنّاه أحد من جيرانه.