• من المؤمل عقد هذين الاجتماعين في شهر يونيو أو يوليو القادمين

مرَّت في حياتي العديد من الصور الجميلة عندما كنت سفيرًا ورئيسًا لبعثة مجلس التعاون لدى الاتحاد الأوروبي، منها وفود دول مجلس التعاون الست التي كانت تتسابق في تمثيل عواصمها في اجتماعات المفاوضات التجارية، وأصبحنا نعمل كخلية النحل بسبب تلك الاجتماعات التي كانت شبه شهرية، فقد كنت أسابق الزمن من أجل الانتهاء منها لتحقيق إنجاز شخصي لي بالتوصل إلى التوقيع النهائي لاتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، إلا أن تلك الصورة الجميلة حجبتها صورة أخرى أوقفت المفاوضات التجارية في عام 2008 الذي لم يكن صائبًا لانه أخل بالميزان التجاري لصالح دول الاتحاد الاوروبي كما سوف ترون في الإحصاءات بالمقال.

وأبدأ مقالي اليوم بما استلمت شاكرًا من معلومات قيمة حول هذه المفاوضات من الأخ العزيز الأستاذ عبدالرزاق جعفر زين العابدين، الوكيل المساعد السابق للتجارة الخارجية بوزارة الصناعة والتجارة والسياحة عضو الفريق التفاوضي البحريني مع الجانب الأوروبي لفترة طويلة. لقد جمعتني بالأخ عبدالرزاق صداقة طويلة عملنا سويًا خلالها على حماية مصالح مملكة البحرين العليا ودول مجلس التعاون الخليجي في المفاوضات التجارية المذكورة. لذلك أضع أمام القارئ في مقال هذا الأسبوع معلومات وملاحظات مهمة وقيّمة لأخي الاستاذ عبدالرزاق التي اعتبرها مكملة لمقالي السابق وتلقي أضواء مهمة حول المفاوضات التجارية مع الاتحاد الأوروبي التي توقفت بسبب بعض العراقيل التي كنت أعتقد أنه كان بالإمكان التوصل إلى حلول لها وتجاوزها لما فيه مصلحة الجانبين.

لقد كنت أتمنى ومنذ بدأت خدمتى الدبلوماسية سفيرًا ورئيسًا لبعثة مجلس التعاون في بروكسل /‏ بلجيكا مقر الاتحاد الأوروبي التوصل النهائي والتوقيع على اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين كإنجاز خليجي مهم يؤطر علاقاتها الاقتصادية الدولية خاصة مع دول الاتحاد الأوروبي، ويحمي مصالحها التجارية. إلا أن قرار تعليق المفاوضات كان أمرًا مستغربًا لعلمي بأن توقف المفاوضات الذي استمر طويلاً من غير الممكن أن تعود من النقطة التي توقف عندها لاختلاف الظروف بين الأمس واليوم والمستقبل.

على أي حال أضع في هذا المقال معلومات أخي الأستاذ عبدالرزاق جعفر زين العابدين الرجل الفاضل والدقيق الملتزم الجاد كما لاحظته أثناء عملي معه سنوات طويلة في المفاوضات التجارية.. وإليكم ما وردني منه من معلومات قيمة:

لا يخفى عليكم أن المفاوضات التجارية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الاوروبي قد بدأت في عام 1988، أي قبل حوالي 32 سنة من الآن، للوصول إلى إبرام اتفاقية للتجارة الحرة بين الطرفين، وتم عقد العديد من جولات اللقاءات التفاوضية الفنية ممثلة في لجنة التعاون المشتركة والوزارية ممثلة في المجلس الوزراي المشترك بين الطرفين، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق، حيث كان الاتحاد الاوروبي يضع العديد من الشروط أمام دول المجلس للتوصل إلى اتفاق، وخاصة موضوع حقوق الإنسان والهجرة غير الشرعية وصادرات دول المجلس لهم من البترول والغاز والبتروكيماويات، كما أن معدن الألمنيوم يعتبر سلعة حساسة لدى الطرفين، وبذلك تعطلت تلك المفاوضات ولم تحقق أي تقدم يذكر، إلى أن تم اتخاذ قرار من قبل أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون الخليجي لإيقاف هذه المفاوضات في الدورة التاسعة والعشرين في مسقط عاصمة سلطنة عمان الشقيقة.

حيث تقرر تعليق دول المجلس لهذه المفاوضات، وذلك بسبب عدم تجاوب الاتحاد الأوروبي مع المقترحات التي قدمتها دول المجلس لإنهاء مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين، حسبما جاء في البيان الختامي الصادر بتاريخ 30 ديسمبر 2008 في مسقط عن الدورة التاسعة والعشرين للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

هذا وتم الإعلان في تلك القمة الخليجية عن تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي بعد مفاوضات شاقة دامت 20 عامًا، وذلك من قبل الأمين العام لمجلس التعاون في 24 ديسمبر 2008، إلى أن يقبل الجانب الأوروبي بالمقترحات القليلة والنهائية التي تقدمت بها دول المجلس، وخلافًا لذلك فإن مجلس التعاون ليس في وارد الدخول في مفاوضات جديدة – حسب تصريح الأمين العام آنف الذكر.

هذا وقد تم عقد بعض الاجتماعات الاخرى المعنية بين الجانبين في عام 2010 و2014، إلا أنها لم تسفر عن نتائج إيجابية أو حاسمة وتناولت الأمور التجارية والاقتصادية والاستثمارية العامة.

وقد كان الاتحاد الاوروبي الشريك التجاري الرئيس الأول لدول مجلس التعاون الخليجي لعام 2008 ثم اليابان والولايات المتحدة الأمريكية، وكان الميزان التجاري السلعي يميل لصالح الاتحاد الأوروبي آنذاك بحوالي 39 مليار دولار، إذ كانت وارداتنا منها حوالي مبلغ 69 مليار دولار وصادراتنا لها حوالي 30 مليار دولار، اي ان قيمة التبادل التجاري بين الطرفين كان 99 مليار دولار.

أما في عام 2020، واستنادًا إلى المعلومات المستقاة من إدارة العلاقات التجارية الخارجية بوزارة الصناعة والتجارة والسياحة، فإن الاتحاد الاوروبي يعتبر الشريك التجاري الثالث لدول مجلس التعاون الخليجي بعد الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ولازال الميزان التجاري يميل لصالح دول الاتحاد الأوروبي بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي.

وحسب إحصاءات التبادل التجاري بين مملكة البحرين والاتحاد الأوروبي في عامي 2019 و 2020، والمستقاة من إدارة العلاقات التجارية الخارجية بوزارة الصناعة والتجارة والسياحة، فقد بلغ إجمالي واردات مملكة البحرين من دول الاتحاد الأوروبي 2 مليار و 119 مليون دولار في عام 2019 وفي عام 2020 ما قيمته 2 مليار و195 مليون دولار، أي بزيادة 76 مليون دولار في عام 2020 عن عام 2019، أما إجمالي صادرات مملكة البحرين للاتحاد الاوروبي فقد بلغ 447 مليون دولار عام 2019م.

وبلغ 743 مليون دولار عام 2020م، أي بزيادة 296 مليون دولار.

كما توضح الإحصاءات أرقام صادرات مملكة البحرين من الألومنيوم إلى دول الاتحاد الاوروبي للخمسة أعوام الماضية من حيث القيمة والكمية، وهي مستقاة من شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) حيث صدرت مملكة البحرين لدول الاتحاد الأوروبي ما قيمته 2 مليار و250 مليون دولار، أي ما يعادل 1 مليار و88 ألف طن متري من معدن الألومنيوم خلال فترة 5 سنوات من 2016م لغاية 2020م.

ونتيجة لتوقف مفاوضات التجارة الحرة الجماعية منذ عام 2008 بين دول مجلس التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي فقد أصبح الميزان التجاري - للأسف - يميل لصالح الاتحاد الاوروبي، واضعًا أمام القارئ مثالاً بالأرقام لإحصاءات الميزان التجاري بين مملكة البحرين مع دول الاتحاد الأوروبي لعامي 2019 و2020 إذ بلغ مليارًا و585 مليون دولار عام 2019 لصالح الاتحاد الأوروبي، وفي عام 2020 بلغ مليارًا و372 مليون دولار، وكان أيضًا لصالح دول الاتحاد الأوروبي، ولكن بقيمة أقل من عام 2019 بمبلغ 213 مليون دولار.

أي إن إجمالي قيمة التبادل التجاري بين مملكة البحرين والاتحاد الاوروبي كانت 2 مليار و563 مليون دولار عام 2019 ثم أصبح ما قيمته مبلغ 3 مليار دولار و17 مليون دولار، أي إنها زادت بقيمة 454 مليون دولار.

وتجدر الإشارة كما يوضح الأستاذ عبدالرزاق جعفر زين العابدين بأنه وفقًا للمعلومات الواردة له من مصادر مطلعه فإن هناك توجهًا تقوده المملكة العربية السعودية الشقيقة حاليًا نيابة عن دول مجلس التعاون الخليجي مع الجهة المسؤولة عن متابعة هذه المفاوضات من جانب الاتحاد الأوروبي لإحياء هذه المفاوضات المتوقفة منذ عام 2008، وعقد الاجتماع القادم «للجنة التعاون المشتركة» بين الجانبين تمهيدًا لعقد الاجتماع القادم للمجلس الوزاري المشترك بين الطرفين من أجل حلحلة الأمور العالقة بهدف التوصل إلى إبرام الاتفاقية المرتقبة بين الطرفين وتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بينهما والتي طال انتظارها، ومن المؤمل عقد هذين الاجتماعين في شهر يونيو أو شهر يوليو القادمين، ولكن لم يتم تحديد التاريخ المحدد أو المكان المقرر لعقد هذين الاجتماعين.

وأضاف، وحيث إن المملكة المتحدة قد خرجت من الاتحاد الاوروبي في بداية سنة 2020م، فإنه من الأهمية بمكان وتحقيقًا لمصالح دول المجلس الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، أن تبادر دول مجلس التعاون الخليجي إلى الشروع في فتح مفاضات تجارية مع المملكة المتحدة، من أجل الوصول معها لإبرام اتفاقية تجارة حرة، وذلك نظرًا لما تتمتع بها من ثقل اقتصادي وتجاري واستثماري وتقني وعلاقات متميزة وتاريخية وطويلة بينها مع جميع دول مجلس التعاون الخليجي، والله الموفق.

وإلى الأسبوع القادم ومقال آخر عن حكاية

المفاوضات التجارية الخليجية الاوروبية.