في أزمان الخوف والعدو الغامض والخطر المبهم، تزدهر الخرافات، وتتنافس المخيلات، ويتسابق أهل الجهل مع أهل العلم. والوباء «كورونا» كان الأكثر غموضاً في الزمن الحديث والأكثر إرعاباً لأنه، خلاقاً للأوبئة الكارثية الأخرى، لم يظهر في منطقة محدودة، مثل الطاعون، الذي ضرب فلورنسا أو لندن، أو الحمى التي ضربت إسبانيا، بل كان جرثومة أسطورية ظهرت في أسواق المآكل الصينية الشهيرة من خفافيش وأفاع وبراغيت، وطفقت تقتل الناس بالآلاف من أميركا إلى إيطاليا إلى الهند.
وبسبب غموضها الرهيب رفض الناس أن يصدقوا حقيقتها المباشرة، وهي أنها جرثومة فتاكة مثل الجدري والكوليرا. وملأت الخرافات العالم. وإلى الآن، يعتقد كل روسي من ثلاثة أن «الكورونا» ظاهرة زكامية أقوى قليلاً من الزكام العادي. وليس مهماً لدى العامة أن العلماء الروس توصلوا إلى أحد اللقاحات، التي طفقت بدورها تصد هذا المغولي الكاسر على البشرية.
من جملة ما ظهر من روايات عن مؤامرة «كورونا»، واحدة تقول إن بيل غيتس أحد مدبريها. وبعض الذين أصغينا إليهم يتحدثون عن تفاصيل المؤامرة لإبادة البشرية كانوا أهل علم، وسمعة، وكفاءة، وطريقة مذهلة في الإقناع. ولم يتوقفوا لحظة عند أن غيتس هو أهم عامل خير في الولايات المتحدة. أما لماذا اختاروا غيتس فلأن النفس إمارة بالسوء.
صرح غيتس، الذي أحزنته الإشاعات المريضة، بأن الحرب على «كورونا» حققت معجزة. ما بين بريطانيا وألمانيا وأميركا والصين وروسيا. طور أهل العلم سلاحاً يمكن أن نسميه، إذا شئت، سلاح الحياة. وفيما كان مستقبل البشرية يبدو قاتماً ومخيفاً، خرج أصحاب المختبرات يرفعون شارات النصر، كما فعل تشرشل في الحرب العالمية الثانية، وبدأ الكثيرون حول العالم يخرجون من بيوتهم ومخابئهم. وخلال فترة غير بعيدة، قد تعود الحركة الاقتصادية، أو العادية، في بلدان كثيرة. وقد أعلنت بريطانيا أنها ستستأنف الحياة في كل مكان بما في ذلك الملاعب. وتحية لأنصار مانشستر يونايتد. أو لمنافسيهم، ولرينالدو. وميسي. وجمعاً يكون. والموت للبراغيت والخفافيش وسوق التوابل في مدينة ووهان.
مرض النفوس ليس أقل خطراً من الأوبئة. امتلأت الإنترنت بملايين التهم التي تقول إن غيتس، والدكتور فاوتشي، كبير علماء الجراثيم، اخترعا الوباء من أجل السيطرة على العالم. وكان رد غيتس، الذي ساهم بملياري دولار في محاربة الجائحة، «ماذا تفعل إذا تضافر الجنون والشر معاً».
هل بدأ الخطر المريع في التراجع حول العالم؟ ربما. الأمثولة الكبرى في هذه المحنة، أن الدول التي أدركت الخطر مبكراً، كانت الأقل تضرراً. في الموقع الأول، بلا مفاجأة، نيوزيلندا، جزيرة عزيزتنا جاسيندا أردرن، صفر إصابات. في الثاني، ولا عجب، اليابان: 331 إصابة على 120 مليون نسمة. في الثالث، تايوان، 3 إصابات. رغم قربها من البر الصيني.