في اليوم الذي بات ملف تشكيل الحكومة الإسرائيلية بشكل كامل وبتخويل دستوري ناجز بيد زعيم المعارضة يائير لابيد، اندلعت المواجهات العنيفة في القدس وتحركت القوات الإسرائيلية التي لا تزال تحت سلطة بنيامين نتنياهو، لتدفع الأجواء على نحو سريع لصالح إعادة ضخ صورة نتنياهو في إطار التشدد والحزم والمواجهة، التي تحتاج إليها إسرائيل في هذه المرحلة بحسب ما يأتي به التسويق الانتخابي لنتنياهو، والذي انتكس أمام حاجز ائتلاف سياسي مضاد وعنيد، ولا تبدو عليه إمكانية التراجع في المشهد الحالي.
يبدو أنَّ حسابات الحقل تختلف عن حسابات البيدر بفارق كبير هذه المرة، ذلك أنَّ دائرة التصعيد لم تكن من النوع المسيطر عليه، بسبب التوقيت السيئ الذي اختاره نتنياهو لإجراءات التصعيد في القدس، حيث العشر الأواخر من شهر رمضان وما تحمله من دلالات روحية ورمزية كبيرة في نفوس الفلسطينيين في العلاقة مع المسجد الأقصى على نحو خاص.
كما أنَّ هناك ثنائية، لا يبدو التوازن بينهما قائماً أو ممكناً في هذا التوقيت، حيث تعيش إسرائيل منذ سنتين في أجواء الانفتاح على العالم العربي والتمهيد لاتفاقات سلام، وهذا انعكس إيجابياً على مزاج الشارع في إسرائيل الذي يتطلع إلى مكاسب في الاقتصاد والأمن والاستقرار، عبر اتفاقات جديدة تعزز ما كان مع دول عربية مهمة في المنطقة، في حين الجانب الآخر من الثنائية هو ضبط العلاقة مع الفلسطينيين الذين يتمسكون بحل الدولتين كخيار وحيد ومتاح لإنهاء عقود من الصراع العربي - الإسرائيلي، وهو خيار مدعوم دولياً من اللجنة الرباعية والدول الأساسية في المنطقة.
أعاد نتنياهو مشهد الحرب الثقيل إلى نفوس مواطنيه على نحو يوشك أن ينسف الآمال التي تعلقوا بها بعد عدد من مؤشرات الاستقرار الأمني.
من الصعب التكهن أنّ هذا التطور يصب في صالحه، بعد أن جرى نقل الناخب الإسرائيلي إلى مزاج الحرب وحياة العودة إلى النوم في الملاجئ في بعض المدن، ليس في صالح المعادلة الانتخابية التي يظن نتنياهو أنها لم تحسم لصالح خصمه يائير لابيد، وأن فرصته في إعادة ضبط المشهد الإسرائيلي السياسي الداخلي المتضعضع لا تزال أكبر من فرص أي من منافسيه.
إطلاق الصواريخ من قطاع غزة بكثافة هذه المرة على مدن أساسية كان من أبرز عناصر إخراج التصعيد الدائر في القدس من إطاره المحدد، والذي له أهداف تعبوية انتخابية لصالح اليمين الإسرائيلي ونتنياهو المتشبث بالسلطة.
التعليقات