لعل أسوأ أمر يتعلق بأي شخص عندما يتولى منصباً حكومياً رفيعاً أن لا يميز بين آرائه وقناعاته الشخصية، وبين مواقف بلاده السياسية، ما يعني أنه يخلط الحابل بالنابل. لماذا يحرص بعض اللبنانيين على تعكير علاقة بلدهم لبنان بأشقائه العرب؟ حديث وزير الخارجية اللبناني المستقيل يعد بلا شك سقطة فاضحة لأسلوبه في التنمر والاتهامات والافتراء والإساءة للعرب، ومحاولة التقليل من شأن الخليجيين، والنظرة الدونية العقيمة تجاه أصل العروبة وإرثها وتاريخها، وقد سبقه مستشار رئيس الجمهورية في التهجم على السعودية، مما يدل على أن هناك استهدافاً للسعودية وتشويه العلاقة معها. تداول مغردون أيضاً مقطعاً قديماً لحسن نصر الله يهاجم فيه السعودية بعد بدء انطلاق «عاصفة الحزم» في اليمن، ومما قاله إن «الجهاد الحقيقي ليس ضد إسرائيل، بل السعودية، وإذا سألتني عن أشرف ما قمت به في حياتي، وأفضل شيء وأعظم شيء، سأجيب: الخطاب الذي ألقيته ثاني يوم من الحرب السعودية على اليمن»، مضيفاً: «أشعر أن هذا هو الجهاد الحقيقي، هذا أعظم من حرب تموز (حرب لبنان 2006 ضد إسرائيل)».
حسن نصر الله اعتاد على إثارة حفيظة من لا يتفق معه بما يطرحه من خطابات متشددة ولغة استفزازية، غير أن المقام هنا ليس للتهكم أو الذم بقدر ما المراد هو التحليل والتشريح، وهذا يقتضي الحياد والموضوعية. خطاباتهم تنطلق من ساحة التهكم والابتذال والسخرية والتهجم التي امتهنوها حيناً من الدهر، والمهم أن المتلقي العربي الواعي لم تعد تنطلي عليه مثل تلك الترهات والادعاءات البالية. ميليشيا نصر الله قتلت العرب السوريين، ودعمت انقلاب الحوثي في اليمن ضد الشرعية، وتاجرت كثيراً بملف القضية الفلسطينية، وعندما حلت المأساة على إخوتنا الفلسطينيين كان هناك صمت مطبق «أوليست هذه أفعال حسينوة وهذه خلاقينه»، كما في المثل الشعبي.
وزير الخارجية اللبناني ارتكب خطيئة لا تغتفر، وحاول البعض تسميتها بالزلة والهفوة، وهذا غير دقيق، فالرجل في منصب يفترض أن يتسم بالدبلوماسية والعقلانية والرزانة، إلا أنه أسهب في قذف الاتهامات المغلوطة تجاه السعودية التي دعمت لبنان منذ استقلاله سياسياً ومادياً، والشواهد موثقة ومعروفة. الوزير لم يقل كلاماً مرسلاً، بل جهز له، واستغل الفرصة لبث سمومه، مما يؤكد إمعانه في استهداف السعودية بأي طريقة كانت إرضاء لأسياده. ما تفوه به الوزير المستقيل دليلاً على رضوخه لإملاءات الخارج والدفاع عن المصالح الإيرانية على حساب عروبة لبنان، وعدم اكتراثه بعلاقات بلاده مع الغير، وكأنه لا يعلم أن هناك عشرات الآلاف من اللبنانيين يعملون في دول الخليج.
لسنا بحاجة إلى بلورة سحرية لكي تخبرنا أن هناك حملة مسيّسة وممنهجة ضد السعودية. الخليج كدول أيضاً مستهدف، وتبين ذلك في حالات ومواقف عديدة، وللأسف هناك حالة من البغض والحقد والحسد لدى فئة من عرب الشام، وبالطبع لا تمثل الغالبية التي نكن لها بالغ التقدير والاحترام كإخوة أعزاء علينا. الموقف الخليجي كان مهماً ولافتاً، وقد وصلت الرسالة بوضوح. الخليج كتلة واحدة ولا تساوم على أمنها وكرامتها. الوزير ينتمي لفئة مؤدلجة تقدم مصالحها الفئوية والحزبية على مصالح أوطانها، والقائمة للأسف الشديد مليئة بأسماء كثيرة في عالمنا العربي.
السعودية رقم صعب في المنطقة، ولديها مخزون من الأدوات والإمكانات ونفوذ ومصالح كبيرة في كثير من دول العالم، وجيّرت كل ذلك في مصلحة وخدمة الدول العربية، منها لبنان الذي استفاد كثيراً من وقفة الرياض معه منذ عقود. ويكفي أن نقول «اتفاق الطائف» (مدينة في السعودية اجتمعت فيها كل القوى السياسية بوساطة سعودية وصدرت فيها وثيقة الوفاق الوطني التي أنهت الحرب الأهلية).
الإساءة إلى السعودية وتشويهها هدفهم بدليل محاولاتهم لصب مزيد من الزيت على النار. بعد مواجهتها للمشروع الإيراني وتحجيمه في لبنان والعراق واليمن، وإحباطها لطموحات المشروع الإخواني، فإنه لا غرابة أن نشهد مغالاة في الخصومة وأسلوباً إعلامياً رخيصاً وخطاباً معادياً ضد السعودية. حملات متوالية وبألوان طيف واحدة على السعودية في الإعلام التقليدي و«السوشيال ميديا»، وممولة من تلك الأطراف لمحاولة تقويض المشروع الإصلاحي والتنموي، واستكتبوا أقلاماً رخيصة ممن لهم مواقف تجاه السعودية.
هذا الاستهداف سببه أن السعودية كانت وما زالت تمثل لإيران هاجساً سياسياً وعقائدياً، وتقف سداً منيعاً أمام تحقيق طموحاتها وتوسيع نفوذها، ما جعل الأخيرة تلجأ إلى مختلف السبل من أجل تضييق الخناق عليها، مدركة أن مخططها التوسعي لن يتحقق له النجاح ما دامت السعودية تقوم بدورها المعتدل والمتوازن، وبالتالي لم تجد أمامها سوى اللعب على الوتر الطائفي. الفارق ما بين البلدين يكمن في طبيعة سياسة التدخل من كونها إيجابية أم سلبية، فالسعودية دائماً ما تقف مع الشرعية وخيارات الشعوب، فالأولوية لديها هي استقرار هذه الدولة أو تلك، ثم تأتي مصالحها في مرتبة أقل، في حين أن التدخلات الإيرانية تأتي أولاً وأخيراً لتعزيز نفوذها ومصالحها ومشروعها التوسعي من خلال دعم مؤيديها وتثبيت مواقعهم وتحقيق أجندتها، بغض النظر عن المصلحة الوطنية لشعب هذه الدولة أو تلك.
حسن نصر الله أكثر العارفين في بلاده بما قدمته المملكة إلى لبنان، لكنه ينكر ذلك ويتهجم على المملكة، وقد انتقده كل الفرقاء في لبنان. المملكة كانت على الدوام إلى جانب لبنان مادياً ومعنوياً، ودعمت جميع اللبنانيين من خلال إعمار لبنان وتحقيق المصالحة السياسية بدون تفرقة أو تمييز، وسعت لتجنيبه الانجرار إلى حرب أهلية، ورغم أنها تعرضت إلى حملة شعواء، وإلى افتراءات من البعض، إلا أنها قابلت هذه الإساءة بالصبر والحلم، فبقيت على مسافة واحدة من الجميع، لأن مرادها هو أن ترى لبنان مستقلاً آمناً ذا سيادة.
حسن نصر الله يعلم أن السعودية هي المرجعية للعالم الإسلامي وتمثل حاجزاً أمام الطموحات الإيرانية، فإن الوسيلة هي في التهجم وتشويه الدور السعودي باختلاق قصص مسيئة، لعلها تلقى رواجاً لدى الدهماء. هذه أساليب خاطئة وطريقة مرفوضة وتعبر عن حالة من الإفلاس الأخلاقي والفكري والثقافي، وهو أمر معيب ويكشف عن حقد دفين لا مبرر له، وينسى أو يتناسى السيد أن العقلاء في عالمنا الإسلامي يعلمون علم اليقين مواقف المملكة ومبادراتها وأدوارها الخيّرة منذ نشأتها.
نواجه بروباغندا واضحة تتمثل في فبركات وشائعات واستغلال رخيص، وتصب في خانة الضغوط والابتزاز، وتتزامن دائماً مع تقاطع مصالح أطراف وأشخاص وجماعات، لم تعد مجهولة بمواقفها تجاه السعودية، فإيران وأذرعها في المنطقة، وجماعة «الإخوان»، والميديا الغربية المحسوبة على اليسار العالمي، كلها لا تألو جهداً في القيام بأي شيء ما دام يحقق الهدف. الزج بملفات وتسريب معلومات مغلوطة والشتم والقذف واللغة المتعالية والنظرة الدونية والسخرية والتهكم والتقليل من النجاحات والتبخيس من الإنجازات تظهر في منصات وفضائيات ووسائل إعلامية بين الحين والآخر، والهدف منه تشويه الوضع القائم في السعودية، والتقليل مما حدث من تحولات كبيرة، وإضعافها، بل وإشغالها في مواقف أخرى بقضايا هامشية أو اختلاق أزمات، ودائماً الزمن يتكفل بفضح أولئك الذين لهم مواقف ضد المملكة.
- آخر تحديث :
التعليقات