ما لا بدّ من ملاحظته أيضا أن الإدارة الأميركية باتت تؤمن بأنّ لا مجال لتأخير اهتمامها بالشرق الأوسط والتركيز عليه. سترسل قريبا وزير الخارجية أنطوني بلينكن إلى المنطقة التي قفزت فجأة إلى أولوية أولوياتها. تحدّث الرئيس جو بايدن ست مرات إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي. أجبره في النهاية على وقف القصف الوحشي على غزّة. لكن اللافت أيضا الدور الذي لعبته مصر واتصال بايدن بالرئيس عبدالفتاح السيسي.

صارت مصر في قلب الحدث. هناك دعم عربي لمصر التي لم يعد في استطاعة الرئيس الأميركي تجاهل رئيسها. باتت الإدارة الأميركية تفهم معنى أن يكون هناك استقرار في مصر. أكثر من ذلك، أكدت مصر التي أرسلت وفدين أمنيين إلى غزّة وإسرائيل للإشراف على وقف إطلاق النار استعدادها لتقديم نصف مليار دولار من أجل إعادة إعمار غزّة. الأكيد أن معنى ذلك وجود دعم عربي لمصر ورهان على دور مصري في غزّة التي كانت سابقا تحت الإدارة المصرية. هذا رهان على إعادة الحياة إلى غزّة بدل بقائها إمارة إسلامية على الطريقة الطالبانية تحكمها “حماس” التي لا يهمّها سوى تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني نحو الأسوأ، فضلا عن إغراقه في البؤس والجهل.

ستكون الأيّام المقبلة حبلى بالأحداث في ضوء الاهتمام العربي والأوروبي والأميركي، خصوصا، بإيجاد تسوية سياسية بما يتجاوز غزّة. لا شكّ أن مصر ستكون صاحبة دور كبير في القطاع وفي جعل “حماس” تعود إلى رشدها، هذا إذا كان لديها رشد في يوم من الأيّام، بصفة كونها طرفا فلسطينيا مهمّا ولكن ليس الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.

من هنا، يبدو دعم الدور المصري الذي اعترفت به أميركا وإسرائيل مهمّا إلى حدّ كبير، خصوصا في حال كان مطلوبا أن تحلّ لغة المفاوضات مكان لغة السلاح والتدمير ونشر الفقر والبؤس.

نعم، دور مصر مهمّ. هذا لا يعود إلى قربها الجغرافي من غزة فحسب، بل يعود أيضا إلى أنّها تمتلك القدرة على زرع بعض العقلانيّة في رؤوس حامية تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين وتعتقد أن في استطاعتها العيش إلى ما لا نهاية في ظل الشعارات ما دامت الأموال تتدفّق على غزّة وما دامت الصواريخ تأتي بطريقة أو بأخرى من إيران.