يظهر الموقف السعودي في ملف حضرموت والمهرة امتدادًا لمنهج سياسي ثابت، حيث إن المملكة قرأت المشهد من زاوية أوسع، و ترى أن الاستقرار ليس تفصيلاً مؤجلاً، وأن الشرعية ليست خياراً قابلا للتجاوز، وأن السياسة تظل المسار الوحيد القادر على حماية اليمن ومستقبله مهما تعقدت الوقائع.

ما جرى في المحافظتين أعاد طرح سؤال الانضباط السياسي داخل المرحلة الانتقالية اليمنية طرحًا مباشرًا، وحدود الفعل المشروع في سياق معقد وحساس. وفي هذا الإطار، جاء الموقف السعودي واضحًا في توصيف التحركات الأحادية، واضعًا المسؤولية في موضعها الصحيح، من دون مواربة أو توسيع لدائرة الخلاف، وبمنطق يفرق بين إدارة التوازنات وتعريضها للاهتزاز.

حضرموت والمهرة لم تقرأ في الرؤية السعودية كساحتين للتجاذب، بل باعتبارهما ركيزتين للاستقرار وعمقًا وطنيًا ينبغي حمايته. التشديد على تحييد المحافظتين عكس إدراكًا لطبيعة التوازن الهش في اليمن، وقناعة بأن نقل الصراع إلى هذه المناطق لا يفتح أفقًا سياسيًا جديدًا، بل يضاعف كلفة الأزمة، ويهدد ما تبقى من فرص التماسك.

ضمن هذا الفهم، برز التشديد على ضرورة تصحيح المسار الميداني تصحيحًا كاملًا، بما يعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه، ويضمن أن تبقى القوة في يد المؤسسات الشرعية وحدها. ليس بوصف ذلك إجراءً أمنيًا محدودًا، بل باعتباره مدخلًا سياسيًا يحمي المسار العام، ويمنع تثبيت وقائع خارج منطق الدولة.

سياسيًا، حافظت المملكة على مقاربة متقدمة للقضية الجنوبية، تقوم على الاعتراف بعدالتها ومكانتها في أي تسويةً سياسيةً قادمةً، بوصفها قضيةً ذات امتداد وطني واسع، لا يمكن اختزالها في تمثيل أحادي أو احتكار سياسي. الجنوب، في هذا المنظور، فضاء متنوع، وقضيته لا تستقيم إلا ضمن سياق وطني جامع يحفظ التعدد ويمنع القفز على الاستحقاقات.

وفي موازاة ذلك، رسخ الموقف السعودي تمسكًا واضحًا بالحوار ومخرجاته، بوصفهما الإطار الوحيد القادر على إنتاج حلول مستدامةً. إدارة الخلافات يجب أن تبقى ضمن المسار السياسي، لأن أي خروج عنه يفتح الباب أمام مسارات لا تخدم العملية السياسية، ولا تلبي تطلعات اليمنيين إلى الاستقرار.

في المحصلة، يتجلى هذا المسار في اختيار سياسي واضح، يجعل الاستقرار أولوية، ويضع الشرعية في موقعها الطبيعي، ويمنح السياسة دورها الكامل في حماية اليمن ومستقبله. هو مسار يقوم على تثبيت الإطار، وضبط الاتجاه، ومنع التبدل مع ضغط اللحظة. جوهر الاعتدال يحدد الاتجاه دون ضجيج، ويضبط الإيقاع دون تصعيد، ويمنح القرار ثقله من خلال وضوح الرؤية واستمرارية النهج.