تبلور المشهد السياسي الإيراني بعد أشهر على التكهنات المتناقضة حول مسار الانتخابات الرئاسية في يونيو القادم وتبيّن بعد نشر قائمة المرشحين السبعة المعتمدين أن إيران حالياً هي أبعد ما يكون عن كيان سياسي منتظم لأن شرعية المرشد (المستمدة من الدين) نصبت نفسها فوق الدستور.

وأحدث قرار مجلس صيانة الدستور مفاجأة للرأي العام الإيراني والخارج، ولم ينجح اعتراض الرئيس روحاني في تعديله، وكان ذلك بالفعل خطوة غير مسبوقة لم تشهد إيران مثيلاً لها منذ وصول الخميني إلى الحكم في 1979، خاصة أن نتائج الانتخابات الرئاسية ستكون لها تداعياتها ليس على صعيد اللعبة السياسية الداخلية فحسب، بل أيضاً على صعيد السياسة الخارجية، خاصة في حال عدم ظهور الدخان الأبيض في فيينا هذا الأسبوع بخصوص ملف التفاوض الأميركي ـ الإيراني.

مع صدور قائمة السبعة، سقطت مقولات وصول “نابليون إيراني” مع أحد جنرالات الحرس الثوري، وكذلك وصول محمد جواد ظريف من الفريق المسمى “فتية نيويورك” من أجل تسهيل التواصل مع إدارة بايدن، وبقي عملياً في الميدان المرشح الأصولي إبراهيم رئيسي الذي جرت هندسة العملية الانتخابية كي يكون المرشح الأوفر حظاً بعد أن تم استبعاد جميع منافسيه الأساسيين من المحافظين والجنرالات من قبل مجلس صيانة الدستور. ومع إسقاط ترشيح النائب الأول للرئيس إسحاق جهانغيري ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، جرى القضاء على كل تنافس جدي من قبل الإصلاحيين والمعتدلين، وتعبد الدرب أمام إبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية والمرشح الفاشل أمام الرئيس الحالي حسن روحاني في 2017.

في مراجعة لقائمة المرشحين السبعة المعتمدين يتضح أن الخيار تقليدي لا علاقة له بأهمية جيل الشباب الذي يمثل الأكثرية الساحقة من الشعب الإيراني، إذ تعد القائمة المعتمدة، من حيث متوسط ​​العمر، الأكبر سناً في تاريخ الانتخابات الرئاسية للجمهورية الإسلامية. والأدهى أن لا أحد من المرشحين السبعة له إسهامات تذكر في مجالات الإدارة والتخطيط والسياسة والثقافة. والقاسم المشترك بينهم أنهم عملوا جميعًا لأكثر من ثلاثة عقود في إطار النظام القائم من دون تميز.

ومن البارزين في القائمة السباعية اللواء محسن رضائي الذي سجل الرقم القياسي في الترشح للانتخابات الرئاسية. أما عبدالناصر همتي محافظ المصرف المركزي الذي فصله روحاني بعد قبول ترشيحه فهو ليس من رجال الدين وليس جنرالا، لكنه صاحب سجل أسرع هبوط للعملة الوطنية عبر التاريخ. من جهته، المرشح المحافظ سعيد جليلي أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي سابقا، فشلت في حقبته المفاوضات مع المجتمع الدولي وتعرضت إيران لاتخاذ أكبر عدد من القرارات الدولية والعقوبات بحقها. وأخيرا نشير إلى أن آية الله إبراهيم الساداتي المعروف برئيسي، أمر برقم قياسي من الإعدامات في إيران وربما ينافس على الرقم القياسي العالمي.

في ردود الفعل على حسم السباق الرئاسي مسبقا، كان من اللافت تصريح أحد المستبعدين بأن “المسألة أصبحت على المكشوف وجرى الانتقال من هندسة العملية الانتخابية إلى التعيين” ولا تتردد مصادر متقاطعة من ربط هذا التطور بتسريع التحضيرات لترتيب خلافة خامنئي.

والأرجح أن المرشد الذي أخذ يخشى من “غفلة الزمن” أو عامل الوقت يريد أن يرى مرشحه إبراهيم رئيسي في سدة الرئاسة تمهيدا ليكون خليفته لاحقاً. ويبقى التساؤل حول دور مجتبى خامنئي نجل المرشد وهل يكتفي بتولي تسيير كل الشؤون السياسية والأمنية كونه يترأس مكتب المرشد، أم يطمح من خلال نفوذه داخل الأجهزة الأمنية ومفاصل الدولة كي يفرض نفسه لاحقا بعد رئيسي أو من خلال تجاوزه إذا دعت الحاجة.

وحيال المنعطف الجديد اهتز الوضع في إيران وبرزت تصريحات المستبعد من أهلية الترشيح الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي أدان انحراف النظام وكشف أسرارا عن الخسائر الجسيمة في مفاعل نطنز وعن سرقة وثائق البرنامجين النووي والصاروخي، وأضاف “أعتقد اليوم أن ما حدث كان أكبر اضطهاد وإهانة لأبناء الوطن، وانتهاكًا للدستور”. أما الرئيس الأسبق محمد خاتمي فقد قال إن “جمهورية الولي الفقيه تتعرض لخطر كبير، ولا يمكن لأي تيار ولا يجب عليه أن يتجاهل هذا الخطر الكبير مهما كان انتماؤه ونهجه”.

ستكون مسألة نسبة المشاركة مهمة لأن المرشد خامنئي يصر على أن الانتخابات هي استفتاء على النهج، فيما تتزايد الدعوات لأوسع مقاطعة لعملية انتخابية “معلبة” و”محسومة”. وفِي عمل استباقي تمت الدعوة لانتخابات بلدية وإقليمية في نفس التوقيت لتحفيز الناخبين.

لا يفوت المراقبين ومتابعي الوضع الإيراني أن النظام ينحسر نحو دائرته الضيقة، إذ بعد فرض عملية انتقائية أدت إلى تعيين الجنرال السابق محمد باقر قاليباف رئيسا لمجلس الشورى (البرلمان) في مارس 2019، يأتي الآن دور الحكومة لتصبح السلطة التنفيذية بالكامل في يد خامنئي. كما أن رئيس السلطة القضائية يعينه خامنئي بنفسه. لذلك، ستكون السلطات الثلاث في النظام في يد خامنئي. لكن هل سيقوي ذلك شوكة النظام أم يدفعه نحو الانكماش بعد هذه العملية المعقدة في السيطرة على كل المفاصل ومنع النقلة من الثورة إلى الدولة.

لا يمكن إهمال العامل الخارجي في حيثيات هذا التحول الإيراني، والواضح أن المرشد خامنئي يريد تمرير رسالة إلى جو بايدن بأن خيارات آية الله إبراهيم رئيسي ستكون مفتوحة ولن تقتصر على الغرب، وذلك من أجل دفع واشنطن للقبول بأولويات طهران حول كيفية العودة إلى الاتفاق النووي والحصول على عشرات مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المحجوزة مما يسهل استمرار وتوسع المشروع الإمبراطوري الإيراني.

ويبقى السؤال الكبير حول ردة فعل واشنطن وكيفية تفاعلها سلبا أو إيجابا إزاء التحدي الإيراني. لذلك يمكن أن يصبح النظام الإيراني عالقاً في مأزق الاختيار: التراجع أمام واشنطن و”تجرع كأس السم” أو الرهان على نهج المواجهة مع التبعات الخطيرة لكلا الخيارين.