في كثير من الأحيان يبدو أن الحب مات مع طول الزمان حتى عند الذين تزوجوا عن غرام وهيام، ولكن الغيرة لا تموت عند كثير منهم رغم أنهم يعيشون الطلاق العاطفي، وإن ضمتهم بيوت وحملوا مسمى أزواج الباقي جسدًا بلا روح ولفظًا بلا معنى، ولكن زوجة من هذا النوع يصيبها ما يُشبه الجنون لو تزوج عليها الرجل الذي أهملته وأهملها، بل قد تفتش ملابسه بحثًا عن أي دليل على علاقة أو ميل ولو لم يتزوج عليها، وبعض الرجال قد يصاب بما يُشبه الجنون والارتجاج إذا تزوجت امرأته بعد أن طلقها بطوعه واختياره كأنما يريدها كالبيت الوقف، وقد يشتعل حبه بعد الطلاق كما حصل مع الفرزدق حين طلق زوجته مختارًا ثم صار مضرب المثل في الحماقة والندم وقال فيها الأشعار:

(نَدِمتُ نَدامَةَ الكُسَعِيِّ لَمّا

غَدَت مِنّي مُطَلَّقَةٌ نَوارُ

وَكانَت جَنَّتي فَخَرَجتُ مِنها

كَآدَمَ حينَ لَجَّ بِها الضِرارُ

وكنتُ كفاقئٍ عينيه عمدًا

فأصبح ما يُضئُ لهُ النهارُ)

مع أن الفرزدق غليظ القلب شديد الاعتداد بنفسه لم أعرف له شعر غزل قط بعكس جرير..

تجربة الفرزدق تدل على أنه كان يحب (نوار) بقوة ثم فتر حبه مع طول العشرة وظن أنه صار رمادًا فطلقها فاشتعل الجمر الكامن تحت الرماد، ونفخت رياح الخيال في جمره حتى حرق قلبه..

طول العشرة بين الأزواج كثيرًا ما يدفن نار الحب ونوره بكثيف الرماد، لكن بمجرد ما يتسرع الإنسان، رجلًا كان أو امرأة، في الطلاق يزول كل ذلك الرماد وتتوهج نار الحب ونوره بعد فوات الأوان، وتحتل المكان نيران الغيرة والندم والانكسار..هذا غير تشتت الأطفال وكثرة الخسائر في زواج جديد في الغالب لا يُحالفه التوفيق.

العشرة الطويلة لا تزيد الحب إلا عمقًا قد لا يراه أصحابه لشدة عمقه، فإذا فقدوا الشريك اختيارًا أو اضطرارًا ظهر كالبدر في الليلة الظلماء..

ما أكثر الرجال والنساء الذين ماتوا بعد موت شريك العمر بقليل وكانوا فيه من الزاهدين وهو على قيد الحياة!