عند الحديث عن العلم، يصبح الحديث عن البديهيات، تماماً كأنك تتكلم عن أهمية الشمس، أو أهمية الهواء والماء. والعلم لا يقل حيوية وأهمية، لأن وجوده كان حتمياً وتطوره جاء مع تطور البشرية. في كل خطوة يخطوها الإنسان نحو الأمام، كان العلم يفتح آفاقاً أكثر، بمعنى كلما تمكن الإنسان من جانب عملي وأتقنه فتح العلم جوانب أخرى تحتاج للبحث والتعلم. لذا هو فوق الرأي الشخصي، فالعلم لا يخضع للآراء، هو حقيقة ثابتة ومعروفة ولها أثر، وكما يقول العالم الأمريكي المتخصص في الفيزياء الفلكية الدكتور نيل ديجراس تايسون: «الشيء الجيد في العلم هو أنه صحيح، بغض النظر إذا كنت تؤمن به أو لا».

لذا من المهم أن نضع العلم في سياقه الطبيعي، ومن المهم أن نفهم وظيفته وأثره في البشرية، ودوره العظيم المحوري في بناء الحضارة الحديثة، وأيضاً من المهم أن ندرك كيف ساهم في خدمة الإنسان والرفع من قيمته. مثل هذا الفهم والمعرفة سيساعدان على الإعلاء من قيمة العلم وكل من يحمله بغض النظر عمن هذا الإنسان، أو من أين جاء، فالعلم يفتح نافذة واسعة من التسامح والتلاقي ويقرب الناس والمجتمعات والأمم من بعضهم بعضاً.
أيضاً عندما نفهم العلم ووظيفته، سنعلي من قدر العلماء ومن وظيفتهم ورسالتهم، عندما نشاهد أحد علماء الطب وهو ماهر في العلاج وتقديم الدواء لمرضاه، نقدر هذا الجهد والعمل، عندما نشاهد عالماً في الفضاء وهو يسبر الأغوار السحيقة ويضع النظريات ويؤسس لعلم المستقبل الذي ستعتمد عليه البشرية، يجب أن نقدّره ونعلي من قيمته، عندما نجد عالماً في الفيزياء أو الكيمياء وهو يدرس ويبذل الجهد للخروج بنتائج جديدة ومفاهيم حديثة، يجب أن نشيد ونمتدح. الحال نفسه في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والمستقبل والاتصالات والهندسة على اختلاف أنواعها، وغيرها الكثير من العلوم والتخصصات المذهلة النخبوية التي تمكن بعض العلماء من اختراقها وتقديم نظريات ومخترعات ومبتكرات جديدة هدفها خدمة الإنسان.
إن غرسنا في قلوب وعقول أطفالنا منذ نعومة أظفارهم مثل هذا التوجه، وهو تقدير العلماء والعلم، تقدير المخترعات والمبتكرات، فنحن نضع في أذهانهم الصغيرة مساحة تحثهم على تقليد هؤلاء المبدعين، تقليد تميزهم وشغفهم، وفي المستقبل سيتحول هذا التقليد إلى عمل ودراسة ووظيفة وشغل ورسالة دائمة. المهم أن نضع العلم في مكانه ومكانته، ولنبدأ أولاً بقلوبنا وعقولنا.