منذ عامين بالضبط فى يونيو ٢٠١٩ كتبت هذا المقال بعد تفجيرات شارع بورقيبة وتغول يد الإرهاب فى الشارع التونسى وسيطرة الإخوان على البرلمان والحياة السياسية، كتبته كنبوءة ورهان على أن الإنقاذ ستكون شرارته من تاء التأنيث، وهاهى النبوءة تتحقق، كتبت:

سفالة الدواعش لا تعرف سقفاً أو حدوداً، ها هم فى تونس يفجرون ويقتلون ويحرقون، محاولات ضغط عنيفة وشرسة ينتهزون فيها فرصة اضطراب الوضع السياسى التونسى الحالى واقتراب الانتخابات وضبابية الرؤية نتيجة ما يُنشر عن الوضع الصحى للرئيس، هذا الرئيس المستنير الذى ما زال يحمل الروح البورقيبية ويقبض على جمر الدولة العلمانية التى هى حجر أساس بناء الدولة الحديثة. الرئيس السبسى يمثل للدواعش والإخوان عائقاً منيعاً ضد ابتلاعهم لتونس لتغيير هويتها. ليس صدفة اختيار شارع الحبيب بورقيبة هدفاً للتفجير، فهم يريدون تدمير الاسم لا الشارع، بورقيبة صاحب البصمة العلمانية ومكتسبات الحرية الاجتماعية ونصير المرأة التى همّشها الفقه الذكورى على مدى ألف سنة، تلك البصمة التى استكملها وعمّقها الرئيس السبسى الذى أعلنها واضحة أن ما يحكمه هو فقه الدستور والقانون المدنى وليس أى فقه آخر، ولأن المرأة هى التى حافظت على علمانية الدولة ضد كل محاولات وهبنة وسلفنة الدولة ووضعها رهن الاحتجاز الإخوانى، فإن رهانى على تلك المرأة العظيمة كبير، رهانى عليها لم يخسر أبداً، لأنها لم تتنازل ولم تهادن أبداً، يكفى أنها تصدت وبقوة وحسم لهزل وسماجة الإخوان الذين أرادوا برلمان تونس سرادق عزاء لزعيم إخوانى مصرى، يكفى أنها امرأة برلمانية شجاعة كشفت أنهم أنصار خلافة لا وطن، يسعون إلى سيطرة أممية لا إلى رفعة وطنية. سيظل الإخوان يفجرون ويقتلون ويذبحون، وسيظل التوانسة صامدين، يفضحون انتهازية تلك العصابة، وستظل المرأة التونسية على وجه الخصوص هى الضمير والبوصلة وثغرة الضوء فى نفق العتمة، ستحافظ على بلدها تونس كما تحافظ الأم على جنينها فى رحم الرحمة، ستصرخ للعالم كاشفة الإخوان، كم هم إرهابيون مجرمون قتلة، إنها ما زالت رمانة الميزان وصمام الأمان.

أسعدنى الحظ وتشرفت بمعرفة مثقفات تونسيات، أساتذة جامعات وباحثات وسياسيات، رؤية ثاقبة وحس مستقبلى ووطنية متدفقة، هن زرقاء اليمامة لوطن يحاول بصدق أن ينهض بجد وبدون نهضة الإخوان الزائفة التى استمدت من منظرها القطبى شعار أن «الوطن ما هو إلا حفنة من تراب عفن». الرومانسية التى كنا نسخر منها ونعتبرها تهمة لتاء التأنيث هى عصا الإنقاذ السحرية، لأنه لا انتماء بدون حب ورومانسية وعشق لتراب الوطن. الرقة هى غلاف سيلوفان لقوة احتمال بلا حدود. تونس فى مرحلة مخاض، وولادة النور لن تتم إلا على يد امرأة قوية بهية تخطف شعلة النار والنور وتهبها وتمنحها للحيارى والتائهين، كما تهب وتمنح كل شىء جميل ومبهج للحياة، هى الشراع والمجداف والربان فى وسط العواصف والأنواء، سنغنى معها قريباً بتحية التوانسة الجميلة المحببة «يعايشك»، سنحلم معها بتونس خضراء وشواطئ فيروز وزهور فل وياسمين على كل الشرفات التى تطل منها جميلات تونس بابتساماتهن العذبة التى تمنحنا الأمل والثقة فى ذلك البلد صغير المساحة واسع التأثير، بكل ما يحمله من قيم تقدم ومدنية وتحضر وحرية.